(بَابُ الْأَهْلِيَّةِ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلِيَّةُ الْإِجْمَاعِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِأَهْلِيَّةِ الْكَرَامَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
فَلَا وَالْقَوْلُ بِالتَّفْضِيلِ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَّةِ لَمْ يُفَضِّلْ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْطِئَةَ كُلِّ الْأُمَّةِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَخْطِئَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا.
، فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَسْرُوقًا أَحْدَثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَوْلًا آخَرَ بَعْدَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ فَقَالَ لَا أُبَالِي أُحَرِّمُ امْرَأَتِي أَوْ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَحْدَثَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ فِي أُمٍّ وَزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبٍ قَوْلًا ثَالِثًا بَعْدَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا اسْتِحْقَاقُهَا ثُلُثَ كُلِّ الْمَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي فِي الصُّورَتَيْنِ فَقَالَ لَهَا ثُلُثُ الْكُلِّ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَثُلُثُ الْبَاقِي فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَأَقَرَّهُمَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمَا مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ فَدَلَّ أَنَّ إحْدَاثَ قَوْلٍ آخَرَ جَائِزٌ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إحْدَاثُ الْقَوْلِ مِنْهُمَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فَيَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ آخَرَ مَعَ أَنَّهُمَا كَانَا مُعَاصِرَيْنِ لِلصَّحَابَةِ وَكَانَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِهِمْ فَلَا يَنْعَقِدُ لَهُمْ إجْمَاعٌ بِدُونِ رَأْيِهِمَا وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِمَا الصَّحَابَةَ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ أَنَّهُمَا مَحْجُوجَانِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّ قَوْلَهُمَا مَرْدُودٌ لِمُخَالَفَتِهِمَا الْإِجْمَاعَ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى أَقْوَالٍ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْقَوْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِلَافِ غَيْرِهِمْ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّ هَذَا أَيْ اخْتِلَافَ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ يُخَالِفُ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا إنَّمَا ذَلِكَ أَيْ رَدُّ الْقَوْلِ الْحَادِثِ مُخْتَصٌّ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لِمَا لَهُمْ مِنْ الْفَضْلِ وَالسَّابِقِيَّةِ فِي الدَّيْنِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ حُجَّةً دُونَ إجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَسَيَظْهَرُ لَك فَسَادُ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَتَنْصِيصِ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ مَا خَطَبَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَيْ بَيَّنَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي خُطْبَتِهِ فَلَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ فَهُوَ إجْمَاعٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ وُجُوبِ إظْهَارِ الْحَقِّ وَحُرْمَةِ السُّكُوتِ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهُمْ تَسْلِيمًا كَانَ فِسْقًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي خُطْبَتِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُك؛ لِأَنَّك خَالَفْت النَّبِيَّ وَأَبَا بَكْرٍ فَإِنِّي مَرَرْت عَلَى بَابِك فَرَأَيْت قِدْرَيْنِ يَغْلِيَانِ وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ إلَّا قِدْرٌ وَاحِدٌ فَاعْتَذَرَ عُمَرُ وَقَالَ إنَّ فِي أَحَدَيْهِمَا دَوَاءً وَفِي الْأُخْرَى طَعَامًا وَقَسَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُلَلًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَأَعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ حُلَّةً ثُمَّ خَطَبَ فِي حِلَّتَيْنِ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ اسْمَعُوا فَقَالَ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا نَسْمَعُ؛ لِأَنَّ فِعْلَك يُخَالِفُ قَوْلَك، فَإِنَّك قَدْ جُرْت فِي الْقِسْمَةِ وَأَخَذْت حُلَّتَيْنِ وَأَعْطَيْت غَيْرَك حُلَّةً حُلَّةً فَقَالَ قَدْ اسْتَعَرْت أَحَدَيْهِمَا مِنْ ابْنِي وَلَيْسَ لِي إلَّا حُلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ الْآنَ نَسْمَعُ قَوْلَك فَلَمَّا لَمْ يَسْكُتُوا عَمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْإِبَاحَةِ وَلَكِنَّهُ مُخِلٌّ بِدَقَائِقِ التَّقْوَى فَكَيْف يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ فِيمَا كَانَ الْحَقُّ بِخِلَافِهِ عِنْدَهُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لَازِمٍ بَلْ لَوْ خَطَبَ غَيْرُهُمْ وَسَكَتُوا كَانَ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ يَكُنْ يَخْطُبُ إلَّا الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ فَلِذَلِكَ قَالَ مِنْ الْخُلَفَاءِ
[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاع]
(بَابُ الْأَهْلِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِلَفْظِ الْأُمَّةِ مِثْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute