للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بَابُ بَيَانِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَتَقْسِيمِ وُجُوهِهِ، وَهُوَ الطَّرْدُ}

اعْلَمْ بِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ احْتِجَاجٌ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ وَمَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ إلَى الصُّورَةِ أَفْضَى بِهِ تَقْصِيرُهُ إلَى أَنْ قَالَ لَا دَلِيلَ عَلَى الْحُكْمِ يَصْلُحُ دَلِيلًا وَكَفَى بِهِ فَسَادًا، وَالْكَلَامُ فِي الْبَابِ قِسْمَانِ:.

قِسْمٌ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ وَالثَّانِي فِي تَقْسِيمِ الْجُمْلَةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ الِاطِّرَادَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْعَدَمُ مَعَ الْعَدَمِ أَيْضًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

ذَلِكَ الْحَالُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَوْعَ غُمُوضٍ فَيَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ فَيَثْبُتُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا اسْتِدْلَالٌ بِالْقِيَاسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِطَرِيقِ السَّلَفِ فِي تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُسَمَّى مَا لَا أَصْلَ لَهُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً أَيْ ثَابِتَةً بِالشَّرْعِ جَعَلَهَا الشَّرْعُ عِلَّةً فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْأَثَرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ أَيْ الْأَصْلَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ أَيْ لِظُهُورِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الِاحْتِجَاجَ بِالطَّرْدِ]

(بَابُ بَيَانِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ)

وَتَقْسِيمُ وُجُوهِهِ وَهُوَ الطَّرْدُ، ذُكِرَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْقَائِسِينَ اخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً عَلَى قَوْلَيْنِ وَذُكِرَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْفِقْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الطَّرْدِ ثَانِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَعُقِدَ هَذَا الْبَابُ لِبَيَانِهِ وَذُكِرَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى الْمَقَالَةِ فِي وُجُوهِهِ بِتَأْوِيلِ الْقَوْلِ أَوْ الطَّرْدِ قِسْمٌ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ الطَّرْدِ حُجَّةً وَغَيْرَ حُجَّةٍ، أَوْ فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ لِأَصْحَابِ الطَّرْدِ وَالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.

وَالثَّانِي فِي تَقْسِيمِ الْجُمْلَةِ أَيْ جُمْلَةِ مَا هُوَ عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ مِنْ أَقْسَامِ الطَّرْدِ وَمَا يُشَابِهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ أَهْلُ الطَّرْدِ عَلَى أَنَّ الِاطِّرَادَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مُلَاءَمَةٍ، أَوْ تَأْثِيرٍ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الِاطِّرَادِ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ الْوُجُودِ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ الطَّرْدِ وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ مُلَاءَمَةٍ أَوْ تَأْثِيرٍ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ الْعَدَمَ مَعَ الْعَدَمِ يَعْنِي جَعْلَ هَؤُلَاءِ الطَّرْدَ مَعَ الْعَكْسِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالدَّوَرَانِ وُجُودًا وَعَدَمًا - دَلِيلَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ دُونَ مُجَرَّدِ الطَّرْدِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا قَطْعًا وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَكْثَرُ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ مِنْ أَهْلِ الْجَدَلِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَيْ عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَائِمًا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ يَعْنِي شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قَائِمًا فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَحَالِ عَدَمِهِ وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَصْفِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مُعَلَّلٌ بِشُغْلِ الْقَلْبِ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَا حُكْمَ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْغَضَبُ، أَوْ لِنَفْسِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنَّ الْغَضَبَ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ شُغْلُ الْقَلْبِ لَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ لِوُجُودِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الشُّغْلُ بِدُونِ غَضَبٍ بِالْجُوعِ أَوْ بِالْعَطَشِ، أَوْ نَحْوِهِمَا نُثْبِتُ الْحُرْمَةَ مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَا يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ لِعَدَمِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالشُّغْلِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَانْقِطَاعُهُ عَنْ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهُ فِي وُجُودِهِ وَلَا عَدَمُهُ فِي عَدَمِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الشَّغْلِ عِلَّةً.

وَقِيلَ: اشْتِرَاطُ قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُجَّةً فَلَا؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>