فَإِنْ قِيلَ: التَّعْلِيلُ بِالْأَثَرِ لَا يَكُونُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ إلَّا بِالْأَصْلِ. قُلْنَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ إنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ إبَاحَةُ الطَّعَامِ عَلَى أَنَّا نُسَمِّي مَا لَا أَصْلَ لَهُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً لَا قِيَاسًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَا قُلْنَا لَكِنَّهُ مَسْكُوتٌ لِوُضُوحِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -.
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ النِّكَاحِ أَيْ وِلَايَةٌ تَثْبُتُ وَقْتَ النِّكَاحِ، أَوْ فِي مَكَانِ النِّكَاحِ، أَوْ جَمْعُ مَنْكَحٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ مِنْ الْإِنْكَاحِ وَمَجِيءُ الْمَصْدَرِ عَلَى وَزْنِ الْمَفْعُولِ قِيَاسٌ فِي الْمَزِيدِ، وَهُوَ أَيْ الصِّغَرُ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ؛ لِأَنَّهَا أَيْ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مَا شُرِعَتْ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى مَقْصُودِهِ كَالنَّفَقَةِ تَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ حَقًّا لِلْعَاجِزِ عَنْهَا، وَالْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الصِّغَرُ وَالْبُلُوغُ دُونَ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَانْتِفَائِهَا فِي الْمَالِ بِالصِّغَرِ وَالْبُلُوغِ.
وَكَذَا الْوِلَايَةُ عَلَى الذَّكَرِ وَانْتِفَاؤُهَا بِالصِّغَرِ وَالْبُلُوغِ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ بِالْعَجْزِ، وَهُوَ الصِّغَرُ وَالْقُدْرَةُ، وَهُوَ الْبُلُوغُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ أَيْ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ وَعَدَمِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ وَإِعْدَامِهَا أَثَرٌ وَقُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ: إنَّهُ صَوْمُ عَيْنٍ فَيَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَهَذَا أَيْ وَصْفُ الْعَيْنِيَّةِ مُؤَثِّرٌ فِي إسْقَاطِ وُجُوبِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ وَضْعِهَا لِلتَّمَيُّزِ بَيْنَ الْمُحْتَمِلَيْنِ فَإِيجَابُ أَصْلِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَإِيجَابُ تَعْيِينِ الْجِهَةِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ تِلْكَ الْجِهَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَيْ التَّمْيِيزُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا أَيْ ذِكْرِ التَّمْيِيزِ عَلَى تَأْوِيلِ النِّيَّةِ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ الْغَيْرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْرُوعُ عَيْنًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَمْيِيزِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ وَعَلَّلَ أَيْ الشَّافِعِيُّ فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ بِأَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ جِهَةِ الْفَرْضِ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ وَكَالصَّلَاةِ وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْضِيَّةِ إلَّا فِي إصَابَةِ الْمَأْمُورِ أَيْ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ يَعْنِي لَا أَثَرَ لِهَذَا الْوَصْفِ فِي إيجَابِ التَّعْيِينِ وَإِسْقَاطِهِ إنَّمَا أَثَرُهُ فِيمَا ذُكِرَ لَا غَيْرَ فَثَبَتَ أَنَّا سَلَكْنَا طَرِيقَ السَّلَفِ فِي اعْتِبَارِ الْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْقِيَاسِ.
وَهَذَا أَيْ اعْتِبَارُنَا الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ التَّعْلِيلُ بِالْأَثَرِ) إلَى آخِرِهِ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقْرِيرِ هَذَا السُّؤَالِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا أَيْ التَّعْلِيلُ بِالْمُؤَثِّرِ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ إلَّا لِفَرْعٍ وَأَصْلٍ فَإِنَّ الْمُقَايَسَةَ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَبِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الْوَصْفِ بِدُونِ الرَّدِّ إلَى أَصْلٍ لَا يَكُونُ قِيَاسًا، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ قَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيلِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ يَكُونُ مُقَايَسَةً وَبِدُونِ ذِكْرِ الْأَصْلِ يَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ بِالرَّأْيِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَالَهُ الْخَصْمُ إنَّ تَعْلِيلَ النَّصِّ بِعِلَّةٍ تَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ يَكُونُ مُقَايَسَةً وَبِعِلَّةٍ لَا تَتَعَدَّى لَا يَكُونُ مُقَايَسَةً لَكِنْ يَكُونُ بَيَانَ عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْحُكْمِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ هُوَ قِيَاسٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِوُضُوحِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَذَكَرَ مِمَّا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذِكْرِهِ مَا قُلْنَا فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لِهَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ مَقِيسًا عَلَى أَصْلٍ وَاضِحٍ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَبَاحَ الصَّبِيَّ طَعَامًا فَتَنَاوَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاحَةِ سَلَّطَهُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَتَرَكْنَا ذِكْرَ هَذَا الْأَصْلِ لِوُضُوحِهِ.
وَمِمَّا يُذْكَرُ فِيهِ الْأَصْلُ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي طَوْلِ الْحَرَّةِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْحُرِّ كَنِكَاحِ حُرَّةٍ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ وَهُوَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَصِّفُ الْحِلَّ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ شَرْعًا وَلَا يُبَدِّلُهُ بِحِلٍّ آخَرَ فَيَكُونُ الرَّقِيقُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute