للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَرَيْنَا فِي الْفُرُوعِ فَقُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْحِ مَعْنًى مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ فِي فَرْضِهِ حَتَّى لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَحَلَّهُ فَفِي سُنَنِهِ أَوْلَى فَأَمَّا قَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي إبْطَالِ التَّخْفِيفِ وَعَلَّلْنَا فِي وِلَايَةِ الْمُنَاكِحِ بِالصِّغَرِ وَالْبُلُوغِ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهَا مَا شُرِعَتْ إلَّا حَقًّا لِلْعَاجِزِ كَالنَّفَقَةِ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ بِالْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ، وَقُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إنَّهُ عَيْنٌ وَهَذَا مُؤَثِّرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْأَصْلِ لِلتَّعْيِينِ وَالتَّمْيِيزِ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ دُونَ الِانْفِرَادِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ فَرْضٌ وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْضِيَّةِ إلَّا فِي إصَابَةِ الْمَأْمُورِ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى

ــ

[كشف الأسرار]

مُحَمَّدًا بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ التَّصْنِيفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ رُجِمَتْ عَلَيْهِ أَيْ هُوَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى أَشَدِّ الْعُقُوبَاتِ وَأَقْبَحِهَا، وَهُوَ الرَّجْمُ وَالنِّكَاحُ أَمْرٌ حُمِدَتْ عَلَيْهِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ فَأَنَّى يَتَشَابَهَانِ؟ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْهُ فِي الْفَرْقِ بِوَصْفٍ مُؤَثِّرٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ وَالْكَرَامَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مَا يُحْمَدُ الْمَرْءُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مَا يُعَاقَبُ الْمَرْءُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلرَّجْمِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ الزِّنَا لَمَّا كَانَ أَمْرًا يُرْجَمُ عَلَيْهِ كَانَ وَاجِبَ الْإِعْدَامِ بِأَحْكَامِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ دَرْؤُهُ بِالشُّبُهَاتِ لِيَنْعَدِمَ وَلَا يَظْهَرَ فَثَبَتَ أَنَّ السَّبِيلَ فِيهِ الْإِعْدَامُ بِآثَارِهِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ تَقْرِيرُهُ وَإِبْقَاؤُهُ وَمَا يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهُ، وَهَذِهِ أَيْ الْأَوْصَافُ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَوْصَافٌ ظَاهِرَةُ الْآثَارِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النِّكَاحِ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النِّكَاحَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَثَّرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ شَهَادَتِهِنَّ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمُبْتَذَلُ أَيْ الْمُسْتَهَانُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَكَثِيرُ الْمُعَامَلَةِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى الْحُجَّةِ الضَّرُورِيَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ الَّتِي فِيهَا شُبْهَةٌ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُنَّ شَهَادَةٌ لِبِنَاءِ أَمْرِهِنَّ عَلَى التَّسَتُّرِ وَعَلَى الْغَفْلَةِ وَالضَّلَالَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: ٢٨٢] فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَغَيْرُ مُبْتَذَلٍ وَلَا يَكْثُرُ فِيهِ الْبَلْوَى وَالْمُعَامَلَةُ وَيَكُونُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ لِعَدَمِ تَأْدِيَتِهِ إلَى الْحَرَجِ قَوْلُهُ (وَلِيَزْدَادَ خَطَرُهُ عَطْفٌ) عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَتَقْدِيرُهُ وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِعَدَمِ ابْتِذَالِهِ وَلِازْدِيَادِ خَطَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مُبْتَذَلٌ فَإِنْ احْتَاجَ النِّكَاحُ إلَى الْمُقَدِّمَاتِ مِثْلُ الْخُطْبَةِ وَالْمُشَاوَرَةِ فِي الْعَادَاتِ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِالْعُظَمَاءِ وَإِحْضَارِ الشُّهُودِ، وَالْوَلِيُّ دَلَّ عَلَى خَطَرِهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ أَصْلِيَّةٍ خَالِيَةٍ عَنْ الشُّبْهَةِ فَثَبَتَ بِمَا قُلْنَا أَنَّ طَرِيقَ تَعْلِيلِ السَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هُوَ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) ، وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُلَاءَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ وَاجِبٌ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ جَرَيْنَا فِي الْفُرُوعِ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا مَعَ الْفُقَهَاءِ فَقُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يَعْنِي فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْرَارُ لِإِكْمَالِ السُّنَّةِ أَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ.

وَهُوَ مُؤَثِّرٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ فَإِنَّ الْمَسْحَ أَيْسَرُ مِنْ الْغُسْلِ وَتَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ دَلِيلُ التَّخْفِيفِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي فَرْضِهِ حَتَّى لَمْ يُشْتَرَطْ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ بِالْمَسْحِ بِخِلَافِ الْمَغْسُولَاتِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي سُنَّتِهِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ التَّكْرَارُ سُنَّةً فِيهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعُ الْفَرْضِ وَأَضْعَفُ مِنْهُ فَكَانَتْ أَوْلَى بِظُهُورِ أَثَرِ التَّخْفِيفِ فِيهَا مِنْ الْفَرْضِ فَأَمَّا قَوْلُ الْخَصْمِ: إنَّهُ رُكْنٌ فِي وُضُوءٍ فَغَيْرُ مُؤَثِّرٌ فِي إبْطَالِ التَّخْفِيفِ أَيْ لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُكْنٌ وَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ.

وَكَذَا الْمَسْحُ فِي التَّيَمُّمِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرُّكْنِيَّةِ فِي إبْطَالِ التَّخْفِيفِ وَإِثْبَاتِ التَّكْرَارِ، وَعَلَّلْنَا فِي وِلَايَةِ الْمَنَاكِحِ أَيْ فِي إثْبَاتِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِالصِّغَرِ وَفِي انْتِفَائِهَا بِالْبُلُوغِ حَتَّى كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ إلَّا بِرِضَاهَا كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ عِنْدَنَا.

وَالْمَنَاكِحُ جَمْعُ مَنْكَحٍ اسْمُ الْمَكَانِ، أَوْ الزَّمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>