وَهَذَا وَقْتٌ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى أَدَاءِ مِثْلِ الْأَصْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْخُلْفُ كَمَا فِي الْفِدْيَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَصْلًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَنْقَضِ بِالشَّكِّ أَيْضًا
أَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ فَمِثْلُ رَجُلٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ رَاكِعًا كَبَّرَ فِي رُكُوعِهِ وَهَذَا قَدْ فَاتَ مَوْضِعُهُ فَكَانَ قَضَاءً وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى مِثْلِ مَنْ عِنْدَهُ قُرْبَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا أَنَّهُ قَضَاءٌ يُشْبِهُ الْأَدَاءَ
ــ
[كشف الأسرار]
أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْقَابِلُ أَيْ أَيَّامُ النَّحْرِ مِنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحُكْمُ إلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يُقَدَّرُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ الْأَصْلِ أَيْ عَلَى مِثْلِ أَصْلِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِرَاقَةُ إذْ الْإِرَاقَةُ لِلْإِرَاقَةِ مِثْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ مَعْنَاهُ عَلَى الْمِثْلِ الْأَصْلِيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْخَلَفُ وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ، كَمَا فِي الْفِدْيَةِ يَعْنِي مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفِدْيَةُ وَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ الْأَصْلِيُّ فِي الْبَابِ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ التَّصَدُّقَ لَمَّا ثَبَتَ أَصْلًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُرُبَاتِ الْمَالِيَّةِ التَّصَدُّقُ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ أَيْ حُكْمُ الشَّرْعِ بِوُجُوبِهِ، لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ التَّصَدُّقَ إنْ كَانَ أَصْلًا لَا يَبْطُلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِرَاقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِرَاقَةُ أَصْلًا يَبْطُلُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي الْفِدْيَةِ وَقَدْ صَارَ كَوْنُهُ أَصْلًا مَحْكُومًا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهَذَا الشَّكِّ كَمَا لَمْ يُبْطِلْ الْإِرَاقَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ التَّصَدُّقِ أَصْلًا.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ إنَّمَا لَا يَسْقُطُ التَّصَدُّقُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ أَصْلِيٌّ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ أَصْلًا فَنُقِلَ مِنْهُ إلَى التَّضْحِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلًا أَصْلِيًّا لَعَادَتْ الْأُضْحِيَّةُ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْمِثْلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إذَا فَاتَ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَادَ حَقُّهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ وَهَا هُنَا لَمَّا لَمْ يَعُدْ الْفَائِتُ دَلَّ أَنَّهُ مِثْلٌ أَصْلِيٌّ.
وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا: إنَّمَا لَا تَعُودُ الْأُضْحِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ وَجَبَ وَتَأَكَّدَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفَائِتِ كَمَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ إذَا انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَادَ الْمِثْلُ لَا يَعُودُ حَقُّهُ إلَيْهِ كَذَا هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ لَفْظُ إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كُلِّهَا بِمَعْنَى لَكِنَّ، فَالْأَوَّلُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ التَّصَدُّقُ أَصْلًا وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَالثَّانِي اسْتِدْرَاكٌ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ اسْتِدْرَاكِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا وَالنَّقْلُ بِعَارِضٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ التَّصَدُّقُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَالَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّضْحِيَةُ أَصْلًا وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ رَفْعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ.
وَالثَّالِثُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَوْهُومِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِدْرَاكًا مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ أَرَادَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَوْ هُوَ تَبَيَّنَ بِالتَّاءِ أَيْ ظَهَرَ، وَقَوْلُهُ فَنُقِلَ إلَى هَذَا أَيْ الذَّبْحِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ نُقِلَ مِنْ الْأَصْلِ إلَى التَّضْحِيَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِعَادَةِ لِطُولِ الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْقَضَاء الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاء]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ إلَى آخِرِهِ) رَجُلٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَائِمًا إنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ لِيَكُونَ التَّكْبِيرَاتُ فِي الْقِيَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا اشْتِغَالًا بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ كَيْ لَا يَفُوتَ أَصْلًا، فَإِنْ خَافَ إنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَهُوَ فَرْضٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَهُوَ وَاجِبٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَوَضْعَ الْأَكُفِّ عَلَى الرُّكْبَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِسُنَّةٍ فِيهَا تَرْكُ سُنَّةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ مَوْضِعُهَا وَهُوَ الْقِيَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute