للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ فَمِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ غَسْلَ الْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ وَهَذَا عَمَلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ؟ فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي فَقَدْ جَهِلَ وَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ التَّأَمُّلُ وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ.

ــ

[كشف الأسرار]

رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ فَقَدْ تَوَافَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ.

وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِي مُؤَاخَذَةِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُفَادَاةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمَّا عَرَفَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مَالُ فِدَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَفِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَظَرًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ لِيَمْلِكَهُ بَلْ لِيُخَلِّصَهُ عَنْ الرِّقِّ فَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَيُبْنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إنْ قُلْنَا هُوَ فِدَاءٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ.

[الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ) فَكَذَا الِاسْتِدْلَال بِتَعَارُضِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ إبْقَاءُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ وَذَلِكَ مِثْلُ زُفَرَ فِي غَسْلِ الْمَرَافِقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَرَافِقَ غَايَةً لِغَسْلِ الْأَيْدِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] وَمِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: ١] فَإِنَّ الْمَسْجِدَ دَاخِلٌ فِي الْإِسْرَاءِ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا زَادٌ عَلَى الْخُمُسِ شَيْءٌ إلَى التُّسْعِ» وَكَمَا يُقَالُ حَفِظْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] .

وَلِهَذِهِ الْغَايَةِ شَبَهٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ عَلَيْهَا فَلِشَبَهِهَا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا وَيَجِبُ الْغُسْلُ وَلِشَبَهِهَا بِالْقِسْمِ الثَّانِي لَا يَجِبُ وَلَيْسَ أَحَدُ الشَّبَهَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهَذَا أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَمَلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأَنَّ مَا ادَّعَى مِنْ ثُبُوتِ الشَّكِّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ قَالَ دَلِيلُهُ تَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ قُلْنَا إنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ أَيْضًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قَالَ دَلِيلُهُ دُخُولُ بَعْضِ الْغَايَاتِ فِي الْمُغَيَّا وَعَدَمُ دُخُولِ بَعْضِهَا فِيهِ كَمَا بَيَّنَّا فَحِينَئِذٍ نَقُولُ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ ذَلِكَ قُلْنَا إذًا لَا يَكُونُ فِيهِ شَكٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَعَ الشَّكِّ لَا يَجْتَمِعَانِ لِتَنَافِيهِمَا بَلْ يَلْحَقُ بِمَا هُوَ مِنْ نَوْعِهِ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْجَهْلِ وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ مَعَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّلَبِ كَانَ مَعْذُورًا فِي الْوُقُوفِ لَكِنَّ عُذْرَهُ لَا يَصِيرُ حُجَّةً لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ دَلِيلُ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَاصِلَهُ احْتِجَاجٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْأَشْبَاهَ مُتَعَارِضَةٌ وَأَنَّ تَعَارُضَهَا يُحْدِثُ الشَّكَّ لَكِنَّ أَثَرَ الشَّكِّ فِي التَّوَقُّفِ وَتَرْكَ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ دَلِيلُ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا.

أَمَّا الْحُكْمُ بِنَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَلَا هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّقْوِيمِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْ بَعْضَ الْمُقَدِّمَاتِ وَجَعَلَ الِاسْتِفْسَارَ دَلِيلًا آخَرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشَّكَّ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ لَمْ يُوجَدْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ، وَأَنَّ دَلِيلَهُ انْقِسَامُ الْغَايَاتِ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ يُقَالُ لَهُ الْقَلَمُ إلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فِي قَوْلِهِ الشَّكُّ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ يَفْتَقِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>