للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَلَّذِي هُوَ مَحِلُّ النَّسْخِ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حُكْمٌ مُطْلَقٌ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ الْبَقَاءَ كَالشِّرَاءِ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ دُونَ الْبَقَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ التَّأْبِيدَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الزَّمَانِ بِخُصُوصِهِ وَالنَّسْخُ لَا يَجْرِي فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّأْبِيدَ يُفِيدُ الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ قَطْعًا فِي الْخَبَرِ كَمَا فِي تَأْبِيدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ فَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَهْلِهِمَا وَحَمَلَ قَوْله تَعَالَى {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: ٥٧] عَلَى الْمُبَالَغَةِ يُنْسَبُ إلَى الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَا فَرْقَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الدَّوَامِ لُغَةً فِي الصُّورَتَيْنِ وَقَوْلُهُمْ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطِبُ مَرِيدًا لِبَعْضِ الْأَزْمَانِ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا اتَّصَلَ قَرِينَةٌ بِالْكَلَامِ نُطْقِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ نُطْقِيَّةٍ دَالَّةٌ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ عَنْهُ، فَإِذَا خَلَا الْكَلَامُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ قَطْعًا لِمَا مَرَّ فَكَانَ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْبَدَاءِ ضَرُورَةً فَلَا يَجُوزُ.

وَلَيْسَ هَذَا كَجَرَيَانِ النَّسْخِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْأَعْيَانِ فَإِنَّ النَّسْخَ فِيهِ لَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ بِقَرِينَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ بَلْ الْحُكْمُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكُلِّ ثُمَّ انْقَطَعَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ بِالنَّاسِخِ فَكَانَ هَذَا الْبَعْضُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ بِنَصٍّ خَاصٍّ ثُمَّ انْقَطَعَ بِنَاسِخٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ مُتَأَخِّرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بَيَانَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ بِقَرِينَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ قُلْنَا: ذَلِكَ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ عِنْدَنَا بَلْ هُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ تَخْصِيصًا فَقَدْ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ الْعَامِّ ظَنِّيٌّ عِنْدَهُ وَأَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ مُقَرَّرٌ فَيَجُوزُ مُتَأَخِّرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ لَمْ يُسَلِّمُوا لُزُومَ الْبَدَاءِ وَالتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ مِثْلُ قَوْلِهِ: صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الرَّمَضَانَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْجَمِيعِ اسْتِمْرَارُ الْوُجُوبِ مَعَ الْجَمِيعِ فَإِذًا لَا يَلْزَمُ مِنْ صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا الْإِخْبَارُ بِكَوْنِ الصَّوْمِ مُؤَبَّدًا مُسْتَمِرًّا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِمْرَارِ بِالنَّسْخِ التَّنَاقُضُ وَالْبَدَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ: صُمْ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ ثُمَّ نَسَخَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إيجَابِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ قَبْلَهُ بِالنَّسْخِ كَانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ قَبْلَهُ بِالْمَوْتِ وَيَكُونُ التَّأْبِيدُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ عَدَمِ النَّسْخِ أَيْ افْعَلُوا أَبَدًا إنْ لَمْ أَنْسَخْهُ عَنْكُمْ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ: افْعَلْ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ عَدَمِ النَّسْخِ أَيْ افْعَلْ كَذَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ أَنْسَخْهُ عَنْك.

هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا طَائِلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَحْكَامِ حُكْمٌ مُقَيَّدٌ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ التَّوْقِيتِ قَدْ نُسِخَ شَرْعِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَثِيرُ فَائِدَةٍ.

[أَقْسَام مَالَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ]

قَوْلُهُ (فَصَارَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ) مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ الْوُجُودُ وَمَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَقَدْ الْتَحَقَ بِهِ تَأْبِيدٌ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً أَوْ تَوْقِيتٌ وَهُوَ حُكْمٌ مُطْلَقٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ أَوْ التَّوْقِيتِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ لَمْ يَجِبْ بَقَاؤُهُ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ الْبَقَاءَ احْتِرَازًا عَنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ كَالشِّرَاءِ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ دُونَ الْبَقَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُوجِبُ إبْقَاءَهُ لَهُ بَلْ بَقَاؤُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مُبْقٍ أَوْ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُزِيلِ وَكَذَا يُوجِبُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُوجِبُ بَقَاءَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>