بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ) :
فَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ النُّصُوصِ فَتَعْدِيَةُ حُكْمِ النَّصِّ إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ لِيَثْبُتَ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عَلَى احْتِمَالِ الْخَطَأِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّعْدِيَةَ حُكْمٌ لَازِمٌ عِنْدَنَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
ــ
[كشف الأسرار]
لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا أَوْجَبَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ حُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى النَّفْيِ بَلْ يَسْتَحِيلُ فَلَمْ يُكَلِّفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَضِّدَ جَانِبَهُ بِالْيَمِينِ كَمَا أَلْزَمَ الْمُدَّعِي أَنْ يُنَوِّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ وَقَوْلُهُمْ النَّفْيُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُطْلَبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لَا حُكْمَ فِي حَقِّنَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَكِنْ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ وَالِانْتِفَاءُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ وَالْإِبَاحَةُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ وَالْحُرْمَةُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ.
وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّفْيِ نَصًّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» «لَا زَكَاةَ فِي الْعَلُوفَةِ» «لَيْسَ فِي النُّخَّةِ وَلَا فِي الْجَبْهَةِ وَلَا فِي الْكَسْعَةِ صَدَقَةٌ» وَإِذَا كَانَ النَّفْيُ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَأَمَّا نَفْيُ الْكُفَّارِ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُمْ لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَكِنْ كَانَ ذَلِكَ إظْهَارًا مِنْهُمْ لِجَهْلِهِمْ وَكَانَ عَلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إزَالَةُ ذَلِكَ الْجَهْلِ عَنْهُمْ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ.
[بَابُ حُكْمِ الْعِلَّةِ]
[جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ]
وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْقِيَاسِ وَشَرْطُهُ وَرُكْنُهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِ وَقَالَ. (بَابُ) (حُكْمِ الْعِلَّةِ) أَيْ الْقِيَاسِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا إلَى تَعَلُّقِهِ بِمَا تَقَدَّمَ، يَعْنِي قَدْ مَرَّ بَيَانُ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ فَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ النُّصُوصِ يَعْنِي بِالْقِيَاسِ فَتَعْدِيَةُ حُكْمِ النَّصِّ إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ وَزَادَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: وَلَا إجْمَاعَ وَلَا دَلِيلَ فَوْقَ الرَّأْيِ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالتَّعْلِيلِ كَذَا وَلَمْ يَقُلْ حُكْمُ الْقِيَاسِ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ التَّعْدِيَةُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّعْلِيلِ فَعِنْدَنَا الْقِيَاسُ وَالتَّعْلِيلُ وَاحِدٌ وَعِنْدَهُ التَّعْلِيلُ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّهُ قَدْ جَعَلَ التَّعْدِيَةَ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ الثَّابِتُ إلَى آخِرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَتَوَقَّفَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا، وَأَنْ تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى الْقِيَاسِ وَجَعَلَهَا هَاهُنَا حُكْمَ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ وَوُجُودُهَا بِهِ. وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَنَافٍ إذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ وَتَوَقُّفِ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا (قُلْنَا) الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ شَرْطَ الْقِيَاسِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا حُكْمًا لَهُ يَعْنِي يُشْتَرَط أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيَةُ حُكْمَهُ لَا غَيْرُ؛ لِيَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ وُجُودِ التَّعْدِيَةِ شَرْطًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ إذْ لَا تَصَوُّرَ لِوُجُودِ التَّعْدِيَةِ قَبْلَ الْقِيَاسِ وَلَوْ وُجِدَتْ التَّعْدِيَةُ قَبْلَهُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقِيَاسِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَكَانَ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلتَّعْدِيَةِ شَرْطَ صِحَّتِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقِيَاسِ فَيَصْلُحُ شَرْطُنَا.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنَّهَا شَرْطٌ لِلْعِلْمِ لِصِحَّةِ الْقِيَاسِ لَا شَرْطُ نَفْسِ الْقِيَاسِ وَالْعِلْمُ بِصِحَّتِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِهَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِوُجُودِ النِّكَاحِ شَرْعًا.
وَكَذَا الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي بَابِ شُرُوطِ الْقِيَاسِ أَنَّ التَّعْدِيَةَ حُكْمٌ لَازِمٌ لِلتَّعْلِيلِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ لَمْ يُفِدْ التَّعْلِيلُ تَعْدِيَةً كَانَ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ وَالْقِيَاسُ عِبَارَتَيْنِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، جَائِزٌ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute