للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قُلْنَا إنَّ جُمْلَةَ مَا يُعَلَّلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إثْبَاتُ الْمُوجِبِ أَوْ وَصْفُهُ وَإِثْبَاتُ الشَّرْطِ أَوْ وَصْفُهُ وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ وَصْفُهُ وَالرَّابِعُ هُوَ تَعْدِيَةُ حُكْمٍ مَعْلُومٍ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ بِأَوْصَافٍ مَعْلُومَةٍ وَالتَّعْلِيلُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ شَرْعًا مُدْرِكًا لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي إثْبَاتِ الْمُوجِبِ وَصِفَتِهِ إثْبَاتُ الشَّرْعِ

ــ

[كشف الأسرار]

الشَّافِعِيِّ يَعْنِي يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُفِيدَ التَّعْلِيلُ التَّعْدِيَةَ إلَى الْفَرْعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قِيَاسًا وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفِيدَ تَعْدِيَةً وَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ فَكَانَ حُكْمُ التَّعْلِيلِ عِنْدَهُ تَعَلُّقَ حُكْمِ النَّصِّ بِالْوَصْفِ الَّذِي تَبَيَّنَ عِلَّةً وَالتَّعْدِيَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ.

وَهَذَا بِنَاءً عَنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّ النَّصِّ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْفَرْعِ وَالنَّصَّ مُعَرِّفٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ فِي الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّعْلِيلُ بِدُونِ التَّعْدِيَةِ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ ظُهُورَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً كَمَا فِي الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ جُعِلَتْ أَسْبَابًا شَرْعًا لِيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَعْدِيَةٍ، وَعِنْدَنَا: الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ دُونَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ فِي إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ إبْطَالَ عَمَلِ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى الدَّلِيلِ الْأَضْعَفِ مَعَ وُجُودِ الدَّلِيلِ الْأَقْوَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُفِدْ التَّعْلِيلُ بِدُونِ التَّعْدِيَةِ، وَكَانَ لَغْوًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ حُكْمَ التَّعْلِيلِ التَّعْدِيَةُ قُلْنَا إنَّ جُمْلَةَ مَا يُعَلِّلُ لَهُ أَيْ جَمِيعُ مَا يَقَعُ التَّعْلِيلُ لِأَجْلِهِ وَيَتَكَلَّمُ الْقَائِسُونَ فِيهِ بِالتَّعْلِيلِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.:

الْأَوَّلُ - إثْبَاتُ الْمُوجِبِ أَوْ وَصْفُهُ وَالثَّانِي - إثْبَاتُ الشُّرُوطِ وَوَصْفُهُ وَالثَّالِثُ - إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ وَصْفُهُ وَالرَّابِعُ - هُوَ تَعْدِيَةُ حُكْمٍ مَعْلُومٍ بِسَبَبِهِ وَشَرْطُهُ بِأَوْصَافٍ مَعْلُومَةٍ الْبَاءُ الْأُولَى يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وَالثَّانِيَةُ بِمَعْلُومٍ، أَيْ تَعْدِيَةُ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِسَبَبِهِ، وَشَرْطُهُ مَعْلُومٌ بِأَوْصَافِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ الثَّانِيَةُ مَعَ مَعْمُولِهَا فِي مَحَلِّ الْحَالِ وَيُصْلِحُ الْحُكْمُ ذَا الْحَالَ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، أَيْ تَعْدِيَةُ حُكْمٍ مَعْلُومٍ ثَابِتٍ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ مُلْتَبِسًا بِأَوْصَافٍ مَعْلُومَةٍ.

وَعِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ: وَالْحُكْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا مَعْلُومًا بِصِفَتِهِ أَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَمْ تَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَحَالِّ الَّذِي يُمَاثِلُهُ بِالتَّعْلِيلِ؟ وَالتَّعْلِيلُ لِلْأَقْسَامِ الْأُوَلِ بَاطِلٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ إثْبَاتَ سَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ حُكْمٍ بِالرَّأْيِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ بَاطِلٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ التَّعْدِيَةِ مِنْ أَصْلِ فَرْعٍ بِالشَّرَائِطِ الْمَعْرُوفَةِ صَحِيحٌ وَاخْتَلَفُوا فِي إثْبَاتِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ بِطَرِيقِ التَّعْدِيَةِ بِأَنْ ثَبَتَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ لِحُكْمٍ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى السَّبَبِيَّةَ أَوْ الشَّرْطِيَّةَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ بِمَعْنًى جَامِعٍ لِيَصِيرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَظُنُّهُ مَذْهَبًا لِعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَذَهَبَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلٌ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّعْلِيلُ لِلْأَقْسَامِ الْأُوَلِ بَاطِلُ التَّعْلِيلِ لِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً لَا التَّعْلِيلُ بِطَرِيقِ التَّعْدِيَةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّعْلِيلِ إمَّا التَّعْدِيَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا أَوْ تَعَلُّقُ حُكْمِ النَّصِّ بِالْعِلَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَنْ خَالَفَنَا وَلَا تَصَوُّرَ لِلتَّعْدِيَةِ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِالرَّأْيِ ابْتِدَاءً وَلَا لِتَعَلُّقِ حُكْمِ النَّصِّ بِالْعِلَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>