وَفِي إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَصِفَتِهِ إبْطَالُ الْحُكْمِ وَرَفْعُهُ وَهَذَا نَسْخٌ وَنَصْبُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ رَفْعُهَا وَمَا الْقِيَاسُ إلَّا اعْتِبَارٌ بِأَمْرٍ مَشْرُوعٍ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيلُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ جُمْلَةً وَبَطَلَ التَّعْلِيلُ لِنَفْيِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَفْيَهَا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الرَّابِعُ
ــ
[كشف الأسرار]
لِفَوَاتِ حُكْمِهِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ شُرِعَ مُدْرِكًا لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِيَاسِ لَا لِلْإِثْبَاتِ ابْتِدَاءً وَفِي إثْبَاتِ الْمُوجِبِ وَصِفَتِهِ أَيْ أَوْ صِفَتِهِ ابْتِدَاءً إثْبَاتُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ أَمَّا فِي إثْبَاتِ الْمُوجِبِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي إثْبَاتِ صِفَتِهِ فَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ بِدُونِ صِفَتِهِ كَانَ إثْبَاتُهَا بِالتَّعْلِيلِ بِمَنْزِلَةِ إثْبَاتِ أَصْلِ السَّبَبِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ نَصْبَ شَرْعٍ بِالرَّأْيِ أَيْضًا، وَلَيْسَ إلَى الْعِبَادِ نَصْبُ الشَّرْعِ بَلْ لَهُمْ مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَصِفَتِهِ ابْتِدَاءً إبْطَالُ الْحُكْمِ وَرَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَبَعْدَمَا شُرِطَ لَهُ شَرْطٌ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَمَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ فَكَانَ إثْبَاتُ الشَّرْطِ بِالتَّعْلِيلِ ابْتِدَاءً رَفْعًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ وَنَسْخًا لَهُ.
وَكَذَا التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ وَصْفِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْوَصْفِ رَفْعًا لِلْحُكْمِ كَإِثْبَاتِ أَصْلِ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ وَنَصْبُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ رَفْعُهَا دَلِيلُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَيْ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ أَوْ وَصْفِهِ ابْتِدَاءً بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَصْبُ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَى الْعِبَادِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ يَعْنِي إثْبَاتُ الْأَسْبَابِ نَصْبٌ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَإِثْبَاتُ الشُّرُوطِ رَفْعٌ لَهَا وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَلَا رَفْعُهَا بِالرَّأْيِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ بِهِ أَيْضًا.
وَقَدْ انْدَرَجَ فِيهِ دَلِيلُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَبُطْلَانُ التَّعْلِيلِ لِنَفْيِهَا أَيْ لِنَفْيِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْضًا كَمَا بَطَلَ لِإِثْبَاتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ نَفَاهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُنْكِرَ ثُبُوتَهَا أَصْلًا أَوْ أَنْ يَدَّعِيَ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ فَإِنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَهَا بِأَنْ قَالَ هِيَ لَمْ تُشْرَعْ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ ادَّعَى رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ وَكَذَلِكَ النَّسْخُ بِالتَّعْلِيلِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا.
وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ هَذَا الشِّقَّ؛ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ رَفْعُهَا وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ إثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ بِطَرِيقِ التَّعْدِيَةِ أَعْنِي بِالْقِيَاسِ أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا نَفْسُ الْحُكْمِ وَالثَّانِي، نَصْبُ أَسْبَابِ الْحُكْمِ فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي إيجَابِ الرَّجْمِ وَالْقَطْعِ عَلَى الزَّانِي وَالسَّارِقِ حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا إيجَابُ الرَّجْمِ وَالْقَطْعِ وَالْآخَرُ نَصْبُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ وَالْقَطْعِ، فَيَجُوزُ لَنَا إذَا عَلَّقْنَا الْمَعْنَى فِي السَّبَبِ وَوَجَدْنَاهُ مَوْجُودًا فِي غَيْرِهِ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ الْغَيْرُ سَبَبًا أَيْضًا كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا نَصَبَ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لِعِلَّةِ كَذَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي اللِّوَاطَةِ فَنَجْعَلُهَا سَبَبًا وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى زِنًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ مَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ فِي فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَتْ السَّبَبِيَّةُ أَوْ الشَّرْطِيَّةُ بِهِ يُمَكِّنُ مَعْرِفَةً كَالْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فَيَجْرِي الْقِيَاسُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ دُونَ الْفُصُولِ الْأُخَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ مَعْرِفَةَ عِلَّةِ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَخْتَلِفُ.
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْفَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute