للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِغْمَاء لَمَّا لَمْ يُنَافِ حُكْمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ لَمْ يُنَافِ وُجُوبَهُ وَكَانَ مُنَافِيًا لِحُكْمِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا امْتَدَّ فَكَانَ مُنَافِيًا لِوُجُوبِهِ وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا حُكْمَ وُجُوبٍ إذَا انْتَبَهَ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلْوُجُوبِ أَيْضًا.

(بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ)

وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ فَنَوْعَانِ قَاصِرٌ وَكَامِلٌ أَمَّا الْقَاصِرُ فَيَثْبُتُ بِقُدْرَةِ الْبَدَنِ إذَا كَانَتْ قَاصِرَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِيمَنْ كَانَ مَعْتُوهًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عَاقِلٌ لَمْ يَعْتَدِلْ عَقْلُهُ وَأَصْلُ الْعَقْلِ يُعْرَفُ بِدَلَالَةِ الْعِيَانِ، وَذَلِكَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَرْءُ مَا يَصْلُحُ لَهُ بِدَرْكِ الْعَوَاقِبِ الْمَشْهُورَةِ فِيمَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ، وَكَذَلِكَ الْقُصُورُ يُعْرَفُ بِالِامْتِحَانِ فَأَمَّا الِاعْتِدَالُ قَاصِرٌ يَتَفَاوَتُ فِيهِ الْبَشَرُ فَإِذَا تَرَقَّى عَنْ رُتْبَةِ الْقُصُورِ أُقِيمَ الْبُلُوغُ مَقَامَ الِاعْتِدَالِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

لَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ حَضَرَ الْجَامِعَ مَعَ الْمَوْلَى كَانَ لَهُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ وَلَكِنْ إذَا أَدَّى فَرْضًا مَا هُوَ حُكْمُ الْوُجُوبِ صَارَ مَوْجُودًا بِمُقْتَضَى الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْوُجُوبُ ثَابِتًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَدَّى الْجُمُعَةَ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ مَعَ أَنَّ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ (وَالْإِغْمَاءُ) لَمَّا لَمْ يُنَافِ حُكْمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ أَوْ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ حَرَجٍ فِي الثَّانِي وَلَا اعْتِبَارَ لِامْتِدَادِهِ فِي الصَّوْمِ لِنُدْرَتِهِ لَمْ يُنَافِ نَفْسَ وُجُوبِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْأَدَاءِ لَا أَنَّهُ إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا نَوَى الصَّوْمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُنَافِي الْإِمْسَاكَ صَحَّ صَوْمُهُ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ فَعُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِأَدَائِهِ وَكَانَ مُنَافِيًا لِحُكْمِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا امْتَدَّ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَعَذَّرَ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ وَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ فِي الثَّانِي لِاسْتِلْزَامِهِ الْحَرَجَ فَكَانَ مُنَافِيًا لِوُجُوبِهِ أَيْ وُجُوبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الصَّلَاةُ أَوْ وُجُوبِ هَذَا الْوَاجِبِ وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِحُكْمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْقَضَاءُ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ بِلَا حَرَجٍ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِنُدْرَةِ امْتِدَادِهِ فِيهِمَا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلْوُجُوبِ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّ الْحُقُوقَ كُلَّهَا تَخْرُجُ مُسْتَقِيمَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْمُخْتَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ]

قَوْلُهُ وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ قَسَمَ الْأَهْلِيَّةَ هُنَاكَ إلَى نَوْعَيْنِ ثُمَّ فَصَّلَ كُلَّ نَوْعٍ فَقَالَ أَمَّا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ فَكَذَا وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ فَكَذَا، فَكَلِمَةُ أَمَّا هَذِهِ لِلتَّفْصِيلِ قَاصِرٌ كَامِلٌ أَيْ نَوْعٌ قَاصِرٌ وَنَوْعٌ كَامِلٌ أَمَّا الْقَاصِرُ أَيْ النَّوْعُ الْقَاصِرُ فَيَثْبُتُ بِكَذَا لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَتَيْنِ قُدْرَةِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَقُدْرَةِ الْعَمَلِ بِهِ وَهِيَ بِالْبَدَنِ، وَالْإِنْسَانُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ عَدِيمُ الْقُدْرَتَيْنِ لَكِنْ فِيهِ اسْتِعْدَادٌ وَصَلَاحِيَّةٌ لَأَنْ يُوجَدَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقُدْرَتَيْنِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فَقَبْلَ بُلُوغِ دَرَجَةِ الْكَمَالِ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَاصِرَةً كَمَا يَكُونُ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَدْ تَكُونُ إحْدَاهُمَا قَاصِرَةً كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ قَاصِرُ الْعَقْلِ مِثْلُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ وَلِهَذَا أُلْحِقَ بِالصَّبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ فَالْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِ الْقُدْرَتَيْنِ أُولَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالِاعْتِدَالِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَالْقَاصِرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَتَيْنِ قَبْلَ بُلُوغِهِمَا أَوْ بُلُوغِ أَحَدَيْهِمَا دَرَجَةَ الْكَمَالِ ثُمَّ الشَّرْعُ بَنَى عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ صِحَّةَ الْأَدَاءِ وَعَلَى الْكَامِلَةِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ وَتَوَجُّهَ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْزَامُ الْأَدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا وَإِلْزَامُ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ شَرْعًا وَعَقْلًا وَبَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ، وَأَصْلُ قُدْرَةِ الْبَدَنِ قَبْلَ الْكَمَالِ فِي إلْزَامِ الْأَدَاءِ حَرَجٌ لِأَنَّهُ يُحْرِجُ لِلْفَهْمِ بِأَدْنَى عَقْلِهِ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بِأَدْنَى قُدْرَةِ الْبَدَنِ وَالْحَرَجُ مَنْفِيٌّ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] .

فَلَمْ يُخَاطَبْ شَرْعًا لِأَوَّلِ أَمْرِهِ حِكْمَةً وَلِأَوَّلِ مَا يَعْقِلُ وَيَقْدِرُ رَحْمَةً إلَى أَنْ يَعْتَدِلَ عَقْلُهُ وَقُدْرَةُ بَدَنِهِ فَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ الْفَهْمُ وَالْعَمَلُ بِهِ، ثُمَّ وَقْتُ الِاعْتِدَالِ يَتَفَاوَتُ فِي جِنْسِ الْبَشَرِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ إلَّا بَعْدَ تَجْرِبَةٍ وَتَكَلُّفٍ عَظِيمٍ فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْبُلُوغَ الَّذِي يَعْتَدِلُ لَدَيْهِ الْعُقُولُ فِي الْأَغْلَبِ مَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>