للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ أَصْلُهُ لِاحْتِمَالِ حُكْمِهِ وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ وَاحْتَمَلَ الْأَدَاءَ قُلْنَا بِوُجُوبِ أَصْلِ الْإِيمَانِ دُونَ أَدَائِهِ حَتَّى صَحَّ الْأَدَاءُ وَذَلِكَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْوُجُوبَ جَبْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْبَابٍ وُضِعَتْ لِلْأَحْكَامِ إذَا لَمْ يَخْلُ الْوُجُوبُ عَنْ حُكْمِهِ وَلَيْسَ فِي الْوُجُوبِ تَكْلِيفٌ وَخِطَابٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَدَاءِ وَلَا خِطَابَ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ حَتَّى يَبْلُغَ فَثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْإِيمَانِ لَكِنْ صِحَّةُ الْأَدَاءِ يَبْتَنِي عَلَى كَوْنِ الشَّيْءِ مَشْرُوعًا وَعَلَى قُدْرَةِ الْأَدَاءِ لَا عَلَى الْخِطَابِ وَالتَّكْلِيفِ كَالْمُسَافِرِ يُؤَدِّي الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ خِطَابٍ وَلَا تَكْلِيفٍ.

ــ

[كشف الأسرار]

قَوْلِهِ هَذَا أَيْ سُقُوطُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الِامْتِدَادِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعًا وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ بِأَنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الشَّهْرَ فِي الصَّوْمِ لَزِمَهُ أَصْلُهُ أَيْ أَصْلُ الصَّوْمِ يَعْنِي ثَبَتَ فِي حَقِّهِ نَفْسُ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ لِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِيهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَمْتَدَّ الْجُنُونُ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِي إيجَابِ قَضَائِهَا وَلَكِنَّهُ خَصَّ الصَّوْمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ وَضَعَ مَسْأَلَةَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فِي الصَّوْمِ فَذَكَرَ فِي مُقَابَلَتِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ وَاحْتَمَلَ الْأَدَاءَ) أَيْ أَدَاءَ الْإِيمَانِ قُلْنَا بِوُجُوبِ أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ بِثُبُوتِ نَفْسِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ دُونَ وُجُوبِ أَدَائِهِ حَتَّى صَحَّ الْأَدَاءُ يَعْنِي عَنْ الْفَرْضِ لِمَا نُبَيِّنُ.

وَذَلِكَ أَيْ ثُبُوتُ نَفْسِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَا عَقَلَ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ بِأَسْبَابٍ وُضِعَتْ لِلْأَحْكَامِ إذَا لَمْ يَخْلُ الْوُجُوبُ عَنْ حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ أَوْ عَنْ حِكْمَةٍ أَيْ فَائِدَةٍ يَعْنِي أَصْلَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَثْبُتُ بِالْأَمْرِ لِيَتَعَلَّقَ صِحَّتُهُ بِكَوْنِ الْمَأْمُورِ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ بَلْ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْبَابِ وَالْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِلْزَامِ أَدَاءِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِهِ وَوُجُوبُ الْإِيمَانِ مُتَعَلِّقٌ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ وَأَنَّهُ مُتَقَرِّرٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَذِمَّتُهُ قَابِلَةٌ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الصِّبَا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلْوُجُوبِ بِنَفْسِهِ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ إذَا تَضَمَّنَ فَائِدَةً لَكِنَّ الْأَدَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَقَلَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِعُذْرِ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ، وَكَذَا إذَا وَصَفَ مَرَّةً لَا يَلْزَمُهُ ثَانِيًا فَيَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا أَيْضًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَكْلِيفَ وَلَا خِطَابَ عَلَى الصَّبِيِّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ حَاصِلًا وَأَدَّاهُ بِشَرْطٍ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَنْ مَعْرِفَةٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ بَعْدُ كَمَا صَحَّ مِنْهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَإِذَا صَحَّ كَانَ فَرْضًا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بَيْنَ نَفْلٍ وَفَرْضٍ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ فَيَقَعُ نَفْلًا وَلِأَنَّ نَفْسَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ لِمَا قُلْنَا أَلَا يَرَى أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ أَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ بَعْدَمَا عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إذَا امْتَنَعَ عَنْهُ فَثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ وَوُجُوبُ الْإِيمَانِ بَعْدَمَا ثَبَتَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعُذْرٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالصِّبَا أَيْضًا فَيَقَعُ أَدَاؤُهُ فَرْضًا لَا مَحَالَةَ وَالصَّلَاةُ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ فَتَسْقُطُ بِالصِّبَا أَيْضًا وَلَمَّا سَقَطَ أَصْلُ الْوُجُوبِ اسْتَقَامَ إثْبَاتُهَا نَفْلًا وَخَرَجَ السَّبَبُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ.

وَهَذَا هُوَ مُخْتَارُ الشَّيْخِ وَأُسْتَاذِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَالْقَاضِي الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ وَقَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَإِنْ عَقَلَ مَا لَمْ يَعْتَدِلْ حَالُهُ بِالْبُلُوغِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ مِنْهُ يُصَحَّحُ بِاعْتِبَارِ عَقْلِهِ وَصِحَّةُ الْأَدَاءِ تَسْتَدْعِي كَوْنَ الْحُكْمِ مَشْرُوعًا وَلَا يَسْتَدْعِي كَوْنَهُ وَاجِبَ الْأَدَاءِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْوُجُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالْمَحَلِّ بِدُونِ حُكْمِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى يَكُونُ الْمُؤَدَّى فَرْضًا لِأَنَّ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ صَارَ مَا هُوَ حُكْمُ الْوُجُوبِ مَوْجُودًا مُقْتَضَى الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْوُجُوبُ ثَابِتًا لِانْعِدَامِ الْحُكْمِ فَإِذَا صَارَ مَوْجُودًا بِمُقْتَضَى الْأَدَاءِ كَانَ الْمُؤَدَّى فَرْضًا بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ غَيْرُ ثَابِتٍ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>