وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا مَضَى. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْحَائِضِ إنَّ الصَّوْمَ يَلْزَمُهَا لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ ثُمَّ النَّقْلُ إلَى الْبَدَلِ وَهُوَ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْحَرَجَ لَمَّا عُدِمَ فِي ذَلِكَ بَقِيَ الْحُكْمُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ بَطَلَ الْأَدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ فَبَطَلَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ حُكْمِهِ مَعَ قِيَامِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ وَقِيَامِ سَبَبِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي الْجُنُونِ إذَا امْتَدَّ فَصَارَ لُزُومُ الْأَدَاءِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالْأَدَاءِ وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ أَيْضًا، هَذَا فِي الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ مَعًا
ــ
[كشف الأسرار]
حُكْمُ الْوُجُوبِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْغُلُوِّ وَإِخْلَاءٌ لِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحُكْمِ فِي الدُّنْيَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَزَاءُ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فِيهِ يَظْهَرُ الْمُطِيعُ مِنْ الْعَاصِي فَيَتَحَقَّقُ الِابْتِلَاءُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: ٧] وَكَذَا الْمُجَازَاةُ فِي الْآخِرَةِ تُبْتَنَى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧] فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ حِكْمَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ شَرْعًا وَهَذَا أَيْ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ أَسْلَمُ الطَّرِيقَيْنِ عَنْ الْفَسَادِ صُورَةً لِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ بِسُقُوطِهَا عَنْهُ لَا يَخْلُو عَنْ فَسَادِ صُورَةٍ فَكَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ أَصْلًا أَسْلَمَ عَنْ الْفَسَادِ وَمَعْنًى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَقَضَاءٍ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ فَكَانَ فَاسِدًا مَعْنًى وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ سَالِمٌ عَنْ هَذَا الْفَسَادِ الْمَعْنَوِيِّ وَتَقْلِيدًا أَيْ لِلسَّلَفِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ أَصْلًا وَحُجَّةً أَيْ اسْتِدْلَالًا فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاتِّفَاقِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ لَازِمٌ مَتَى صَحَّ الْقَوْلُ بِحُكْمِهِ وَمَتَى بَطَلَ الْقَوْلُ بِحُكْمِهِ بَطَلَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ.
قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا مَضَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الثَّانِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْحَرَجِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ مُنْتَقِلًا ابْتِدَاءً لَا مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ وَبِقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ بِالْبُلُوغِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ حَيْثُ يَقْضِي مَا مَضَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَقَرِّرٌ فِي حَقِّهِ لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ بِانْقِطَاعِ الْجُنُونِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَعَدَمِ الْحَرَجِ فِي النَّقْلِ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَأَمَّا الصِّغَرُ فَعُذْرٌ دَائِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَكَانَ احْتِمَالُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مُنْقَطِعًا فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا بَنَيْنَا حُكْمَ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بَنَيْنَا حُكْمَ الْحَائِضِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَقُلْنَا إنَّ الصَّوْمَ يَلْزَمُهَا لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ إذَا النَّجَاسَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّ قَهْرَ النَّفْسِ يَحْصُلُ مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَيَصِحُّ الْأَدَاءُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَلَكِنْ الشَّرْعُ لَمَّا مَنَعَهَا مِنْ الْأَدَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى الْقَضَاءِ لِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ كَمَا فِي الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى الْكَفَّارَةِ وَالتُّرَابِ لِلْعَجْزِ الْحَالِي عَلَى مَا مَرَّ
وَكَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي الصَّبِيِّ وَالْحَائِضِ قَوْلُنَا فِي الْمَجْنُونِ يَعْنِي كَمَا بَنَيْنَا حُكْمَهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بَنَيْنَا حُكْمَ الْمَجْنُونِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَقُلْنَا إذَا امْتَدَّ الْجُنُونُ حَتَّى صَارَ لُزُومُ الْأَدَاءِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الشَّهْرَ فِي الصَّوْمِ أَوْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ وَالْقَضَاءُ فِي ثَانِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute