للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَنَّا نَدَّعِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمَا وُضِعَ لَهُ لَا أَنَّهُ مُحْكِمٌ لِمَا وُضِعَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ فَيَصْلُحُ تَوْكِيدُهُ بِمَا يَحْسِمُ بَابَ الِاحْتِمَالِ لِيَصِيرَ مُحْكَمًا كَالْخَاصِّ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ فَتَوْكِيدُهُ بِمَا يَقْطَعُهُ لَا بِمَا يُفَسِّرُهُ فَيُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمَجِيءِ مَجَازًا.

(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

فَإِنْ لَحِقَ هَذَا الْعَامَّ خُصُوصٌ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا بَقِيَ الْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ عَلَى مَا كَانَ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ حُكْمُ الْعُمُومِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا بَقِيَ الْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا فَإِنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ يَسْقُطُ، فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال

ــ

[كشف الأسرار]

سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخْبَرْتِنِي أَنَّكِ تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ بِالْإِخْبَارِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فَكَذَا هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَلَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِالِاتِّفَاقِ يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْعِلْمِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْعِلْمَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَالْقَلْبُ أَصْلٌ وَالْعَمَلُ يَقُومُ بِالْجَوَارِحِ وَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقَلْبِ فَلَمَّا سَقَطَ فِي حَقِّ التَّبَعِ فَفِي حَقِّ الْأَصْلِ أَوْلَى وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الِاحْتِمَالِ فِيهِمَا سَاقِطٌ فِي حَقِّ الْعَمَلِ ثُمَّ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّ الْعِلْمِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَهُنَا.

قَوْلُهُ (وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى) يَعْنِي الْوَاقِفِيَّةَ (أَنَّا نَدَّعِي أَنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (مُوجِبٌ لِمَا وُضِعَ لَهُ) وَهُوَ الْعُمُومُ قَطْعًا عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ (لَا أَنَّهُ مُحْكِمٌ لِمَا وُضِعَ لَهُ) أَيْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ صَلَاحِيَّتُهُ لِإِرَادَةِ الْخُصُوصِ (فَكَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ) أَيْ صَالِحًا فِي ذَاتِهِ لِذَلِكَ وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذَا فِي (أَوَّلِ بَابِ أَحْكَامِ الْخَاصِّ) بِمَا يَحْسِمُ أَيْ يَقْطَعُ بِالْكُلِّيَّةِ.

(بَابُ الِاحْتِمَالِ) أَيْ صَلَاحِيَّتُهُ الْآنَ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ (لِيَصِيرَ مُحْكَمًا) أَيْ غَيْرَ قَابِلٍ لِمَعْنًى آخَرَ يَعْنِي إنَّمَا صَلُحَ تَوْكِيدُهُ مَعَ أَنَّهُ بِدُونِ التَّوْكِيدِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالْإِحَاطَةَ لِيَصِيرَ مُحْكَمًا لَا لِمَا ظَنَّهُ الْخَصْمُ أَنَّهُ مُجْمَلٌ أَوْ مُشْتَرَكٌ فَيَصِيرُ بِهَذَا التَّوْكِيدِ مُفَسَّرًا وَيَكُونُ هَذَا التَّوْكِيدُ إزَالَةً لِخَفَائِهِ وَتَعْيِينًا لِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ (كَالْخَاصِّ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ فَتَوْكِيدُهُ بِمَا) يَقْطَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ (لَا بِمَا يُفَسِّرُهُ) فَيُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ (لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمَجِيءِ) أَيْ غَيْرَ مَجِيءِ زَيْدٍ بَلْ يَحْتَمِلُ مَجِيءَ خَبَرِهِ وَكِتَابِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجَوَابِ أَصْحَابِ الْخُصُوصِ لِأَنَّ فِيمَا ذُكِرَ جَوَابًا عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا سَوَّيْنَا فِي مُوجِبِ الْعَامِّ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ صِيغَةِ الْعُمُومِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكُلِّ فَلَا وَجْهَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ الْفَارِقِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّكَالِيفِ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ عَامَّةٍ قُلْنَا فَكَذَا الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّكْلِيفِ بِأَخْبَارٍ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى مَعْنَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٩] وَكَذَلِكَ عُمُومَاتُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ إذْ بِمَعْرِفَتِهَا يَتَحَقَّقُ الِانْزِجَارُ عَنْ الْمَعَاصِي وَالِانْقِيَادُ لِلطَّاعَاتِ وَمَعَ التَّسَاوِي فِي التَّكْلِيفِ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ]

اعْلَمْ أَنَّ التَّخْصِيصَ لُغَةً تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِحُكْمٍ وَلِهَذَا يُقَالُ خُصَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَفِي اصْطِلَاحِ هَذَا الْعِلْمِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأُصُولِيِّينَ فِيهِ فَقِيلَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بَيَانُ مَا لَمْ يَرِدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَقِيلَ هُوَ إخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ عَنْهُ. وَقِيلَ هُوَ تَعْرِيفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْعُمُومِ إنَّمَا هُوَ الْخُصُوصُ وَقِيلَ هُوَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كَلَامٌ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنْ يُقَالَ هُوَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقْتَرِنٍ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا مُسْتَقِلٍّ عَنْ الصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا إذْ لَا بُدَّ عِنْدَنَا لِلتَّخْصِيصِ مِنْ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ وَلَيْسَ فِي الصِّفَةِ ذَلِكَ وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الصَّدْرِ وَلِهَذَا يَجْرِي الِاسْتِثْنَاءُ حَقِيقَةً فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَلَا يَجْرِي التَّخْصِيصُ حَقِيقَةً إلَّا فِي الْعَامِّ، وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>