. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
مُوجِبُ الْعَامِّ بِاسْتِثْنَاءٍ مَعْلُومٍ بِالِاتِّفَاقِ وَيَتَغَيَّرُ بِاسْتِثْنَاءٍ مَجْهُولٍ بِلَا خِلَافٍ وَبِقَوْلِنَا مُقْتَرِنٌ عَنْ النَّاسِخِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَاخَى دَلِيلُ التَّخْصِيصِ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا وَسَتَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْكُلِّ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ التَّخْصِيصُ يَجُوزُ فِي جَمْعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا وَذَهَبَ شُذُوذٌ لَا يُؤْبَهُ بِهِمْ إلَى امْتِنَاعِهِ فِي الْخَبَرِ كَامْتِنَاعِ النَّسْخِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا احْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ التَّخْصِيصَ كَانَ قِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ رَافِعًا لِلْوَهْمِ وَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ مِنْ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ كَيْفَ وَقَدْ وَقَعَ التَّخْصِيصُ فِي الْخَبَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا وَقَعَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: ٤٢] {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] وَقَدْ أَتَتْ تِلْكَ الرِّيحُ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ تَجْعَلْهُمَا كَالرَّمِيمِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ لَمْ تُؤْتَ كُلَّ الْأَشْيَاءِ وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ فِي فَصْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ هَلْ يَبْقَى عَامًّا فِي الْبَاقِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمْ يَصِيرُ مَجَازًا وَالثَّانِي أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَمْ لَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ قِيلَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْعَامِّ الِاسْتِيعَابُ أَمْ نَفْسُ الِاجْتِمَاعِ فَمَنْ شَرَطَ فِيهِ الِاجْتِمَاعَ دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ قَالَ إنَّهُ يَبْقَى حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ التَّخْصِيصُ إلَى مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَجَازًا وَمَنْ قَالَ شَرْطُهُ الِاسْتِيعَابُ قَالَ يَصِيرُ مَجَازًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَإِنْ خُصَّ مِنْهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ فَلَا يَبْقَى عَامًّا ضَرُورَةً فَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مَجَازًا لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِعُمُومِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَامًّا وَقِيلَ بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا لِعُمُومِ الِاجْتِمَاعِ أَوْ الِاسْتِيعَابِ لِأَنَّ عَامَّةَ شَارِطِي الِاسْتِيعَابِ جَعَلُوهُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ شَرَطَ الِاسْتِيعَابَ إلَى اجْتِمَاعِ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةِ الْمَجَازِ فِيهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَنَاوَلَ بَقِيَّةَ الْمُسَمَّيَاتِ كَمَا تَنَاوَلَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ كَانَ حَقِيقَةً فِيهَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ اخْتَصَّ بِهَا وَقَصَرَ عَمَّا عَدَاهَا كَانَ مَجَازًا وَفِي أَقْوَالِ هَذَا الْفَصْلِ كَثْرَةٌ تَعْرِفُ شَرْحَهَا وَبَيَانَ وُجُوهِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي عُقِدَ الْبَابُ لِبَيَانِهِ فَنَقُولُ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي كَوْنِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ مِنْهُ حُجَّةً فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا كَمَا يُقَالُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، أَوْ مَجْهُولًا كَمَا لَوْ قِيلَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ أَخُصُّ الْخُصُوصِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَقَالَ عَامَّتُهُمْ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَجْهُولًا يَسْقُطُ حُكْمُ الْعُمُومِ حَتَّى لَا يَبْقَى حُجَّةً فِيمَا بَقِيَ وَيُتَوَقَّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بَقِيَ الْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ ثُمَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ إنَّ مُوجِبَهُ قَطْعِيٌّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى عِنْدَهُ قَطْعِيًّا حَتَّى لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ إنَّ مُوجِبَهُ ظَنِّيٌّ يَبْقَى عِنْدَهُ ظَنِّيًّا.
وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْلُومِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَامِّ أَصْلًا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ إنْ كَانَ مَعْلُومًا يَبْقَى الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَيَبْقَى الْعَامُّ مُوجَبًا حُكْمَهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute