للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ وَهِيَ مَعَ وَبَعْدَ وَقَبْلَ وَعِنْدَ أَمَّا مَعَ فَلِلْمُقَارَنَةِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ مَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ لِلتَّقْدِيمِ حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ دُخُولِك الدَّارَ طَلُقَتْ لِلْحَالِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَوْ مَا أُقْسِمُ بِهِ فَهَذَا يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِك أَقْسَمْت بِعُمُرِك وَإِذَا قُلْت لَعَمْرُ اللَّهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الْبَاقِي.

وَإِضْمَارُ هَذَا الْخَبَرِ لَازِمٌ كَإِضْمَارِ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ لَوْلَا فَلَا يُقَالُ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي كَمَا لَا يُقَالُ لَوْلَا زَيْدٌ مَوْجُودٌ لَكَانَ كَذَا فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِاللَّامِ نَصَبْته نَصْبَ الْمَصَادِرِ وَهُوَ الْقَسَمُ أَيْضًا وَقُلْت عَمْرُك مَا فَعَلْت كَذَا وَعَمَّرَك اللَّهُ مَا فَعَلَتْ كَذَا أَيْ بِتَعْمِيرِك اللَّهِ وَإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ. وَالْعَمْرُ وَالْعُمُرُ وَإِنْ كَانَا مُتَّفِقِينَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَقَاءُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْيَمِينِ إلَّا الْفَتْحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْمِثْلِ وَفِي الِاخْتِصَاصِ ضَرْبٌ مِنْ تَغْيِيرِ اللَّفْظِ لِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى.

وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ عَمَرَ الرَّجُلُ مِنْ حَدِّ عِلْمٍ أَيْ بَقِيَ عُمُرًا وَعَمْرًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّ قِيَاسَ مَصْدَرِهِ التَّحْرِيكُ.

[أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ قِسْمِ حُرُوفِ الْمَعَانِي أَسْمَاءُ الظُّرُوفِ. أَلْحَقَهَا بِحُرُوفِ الْمَعَانِي لِمُشَابِهَتِهَا بِالْحُرُوفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تُفِيدُ مَعَانِيَهَا إلَّا بِإِلْحَاقِهَا بِأَسْمَاءٍ أُخَرَ كَالْحُرُوفِ. أَمَّا مَعَ فَلِلْمُقَارَنَةِ هَذَا مَعْنًى أَصْلِيٌّ لَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَك جَاءَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو يَقْتَضِي مَجِيئَهُمَا مَعًا فَلِذَلِكَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةٌ مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَشَرَةِ دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَذَكَرَ فِي الْهَادِي لِلشَّادِّي أَنَّ مَعَ إذَا كَانَتْ سَاكِنَةَ الْعَيْنِ فَهِيَ حَرْفٌ وَإِنْ كَانَتْ مُتَحَرِّكَةَ الْعَيْنِ فَهِيَ اسْمٌ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ.

وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السُّدِّيَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعَ اسْمٌ حَرَكَةُ آخِرِهِ مَعَ تَحَرُّكِ مَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُسَكَّنُ وَيُنَوَّنُ نَقُولُ جَاءُوا مَعًا. وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الظُّرُوفِ فَمَذْكُورٌ فِي بَعْضِ كُتُبِ النَّحْوِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَعِنْدَ لِأَنَّ انْتِصَابَ الْعَيْنِ فِيهِ لَيْسَ لِلْبِنَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ مِنْ مَعَهُمْ بِخَفْضِ الْعَيْنِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَدَلَّ أَنَّ انْتِصَابَهُ عَلَى الظَّرْفِ كَانْتِصَابِ عِنْدَ وَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ مَعْنَى فِي فَإِنَّ قَوْلَك زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو مَعْنَاهُ فِي مُصَاحَبَةِ عَمْرٍو كَمَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ فِي عِنْدَ فِي قَوْلِك زَيْدٌ عِنْدَ عَمْرٍو أَيْ فِي حَضْرَتِهِ. وَقَبْلَ لِلتَّقْدِيمِ وَالسَّبَقِ فَإِذَا وُصِفَ الطَّلَاقُ بِالْقَبْلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ كَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ وَلَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ صِحَّةَ التَّكْفِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى. {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] . لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَسِيسِ بَعْدَهُ. وَصِحَّةُ الْإِيمَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} [النساء: ٤٧] . لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الطَّمْسِ بَعْدَهُ بَلْ يُسْتَفَادُ بِهِ الْأَمْنُ عَنْهُ. فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ دُخُولِك الدَّارَ أَوْ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ طَلُقَتْ لِلْحَالِ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدُ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ. إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ. وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَحُكْمُهَا أَيْ حُكْمُ كَلِمَةِ بَعْدَ فِي الطَّلَاقِ ضِدُّ كَلِمَةِ قَبْلَ يَعْنِي فِي الصُّورَتَيْنِ. وَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَيْئَانِ.

أَحَدُهُمَا أَنَّ الظَّرْفَ إذَا أُدْخِلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ كِنَايَةٌ كَانَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ كِنَايَةٌ كَانَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَإِذَا قَالَ جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو كَانَتْ الْقَبْلِيَّةُ صِفَةً لِزَيْدٍ وَإِذَا قَالَ قَبْلَهُ عَمْرٌو كَانَتْ الْقَبْلِيَّةُ صِفَةً لِعَمْرٍو

<<  <  ج: ص:  >  >>