للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقَعُ عَلَى الْقَسَمِ الْأَوَّلِ وَعَنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا.

(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

الْعَامُّ عِنْدَنَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ الَّذِي حَكَيْنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إنَّ الْخَاصَّ لَا يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْخَاصُّ بِهِ مِثْلُ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نُسِخَ وَهُوَ خَاصٌّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ»

ــ

[كشف الأسرار]

ذَلِكَ كَالْكَذِبِ فَإِنَّ قُبْحَهُ يَسْقُطُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفِي الْحَرْبِ وَفِي إرْضَاءِ الْمَنْكُوحَتَيْنِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ الصَّلَاةِ.

وَمَا قَبُحَ مُلْحَقًا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِثْلُ بَيْعِ الْحُرِّ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَمِثْلُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ لَمَا قَصُرَ مَحَلُّهُ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَالَ الْعَقْدِ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَا الْمَاءُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ لَيْسَ بِمَالٍ صَارَ بَيْعُهُ عَبَثًا لِحُلُولِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ نَحْوَ ضَرْبِ الْمَيِّتِ وَأَكْلِ مَا لَا يُتَغَدَّى بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّرْعُ لَمَّا قَصَرَ أَهْلِيَّةَ الْعَبْدِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى حَالِ طَهَارَتِهِ عَنْ الْحَدَثِ صَارَ فِعْلُ صَلَوَاتِهِ مَعَ الْحَدَثِ عَبَثًا لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ نَحْوَ كَلَامِ الطَّائِرِ وَالْمَجْنُونِ فَالْتَحَقَا بِالْقَبِيحِ وَضْعًا بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ (وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) مُجَاوِرٌ يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ السَّعْيِ وَالطَّهَارَةِ وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ وَصْفًا مِثْلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْعُمُومِ]

(قَوْلُهُ) الْعَامُّ عِنْدَنَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا وَقَدْ فَسَّرْنَاهُمَا فِي أَوَّلِ بَابِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَيُشِيرُ قَوْلُهُ الْعَامُّ بِعُمُومِهِ إلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَهَذَا إذَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ غَيْرَ قَابِلٍ لَهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ بِبَيَانٍ ظَاهِرٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (لَا يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ) أَيْ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ مَنْقُولٌ مَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِمَعْنَى حَكَمَ لِأَنَّ الرَّاجِحَ حَاكِمٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ إذَا كَانَ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا.

قَوْلُهُ (مِثْلُ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ) وَهُوَ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُرَنَةَ أَتَوْا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا أَيْ كَرِهُوا بِالْمَقَامِ بِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْهُمْ فَاصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ وَانْتَفَخَتْ بُطُونُهُمْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَخْرُجُوا إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا وَصَحُّوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَمَالُوا إلَى الرُّعَاةِ وَقَتَلُوهُمْ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِهِمْ قَوْمًا فَأُخِذُوا فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ حَتَّى مَاتُوا قَالَ الرَّاوِي حَتَّى رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَكْدُمُ الْأَرْضَ بِفِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ» هَذَا حَدِيثٌ خَاصٌّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ ثُمَّ هُوَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» إذَا الْبَوْلُ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى بِاللَّامِ فَيَتَنَاوَلُ أَبْوَالَ الْإِبِلِ وَغَيْرَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَامُّ مِثْلَ الْخَاصِّ لَمَا صَحَّ نَسْخُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ إذَا ثَبَتَ تَقَدُّمُ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرُ الثَّانِي وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ التَّارِيخَ.

(قُلْنَا) قَدْ ثَبَتَ تَقَدُّمُ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>