وَقَالُوا فِي رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَجَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ وَلَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ رُجُوعًا عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالْخَاتَمِ لِلثَّانِي بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ وَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةَ وَلَكِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إنَّمَا يُسْتَخْدَمُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ لِلْغَيْرِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ حَقٌّ بِحُكْمِ التَّعَارُضِ فِي الْإِيجَابِ وَكَذَا السُّكْنَى وَالثَّمَرَةُ يُوضِحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذَا الْخَاتَمِ إلَّا فَصَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَلِهَذَا جَعَلَ عِبَارَةَ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ إلَّا خِدْمَتَهَا أَوْ بِالدَّارِ إلَّا سُكْنَاهَا أَوْ بِالْبُسْتَانِ إلَّا ثَمَرَتَهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يَتَنَاوَلْ هَذَا الْأَشْيَاءَ حَتَّى لَمْ يَعْمَلْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي إخْرَاجِهَا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لِلْآخَرِ اخْتَصَّ بِهَا مَنْ أَوْجَبَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَهَكَذَا الْخِلَافُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالزِّيَادَاتِ لِلْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالزِّيَادَاتِ لِلْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ وَالْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا فَكَانَ قَوْلُ الشَّيْخِ (وَهَذِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا) مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ رِوَايَةً عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَلَى وِفَاقِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتَاوَاهُمْ وَمُحَاجَّتُهُمْ أَمَّا الْفَتْوَى فَقَدْ قَالُوا فِي رَجُلٍ أَوْصَى إلَى آخِرِهِ فَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْقَوْلَ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ خِلَافَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ تُصْرَفُ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ كَوْنُ الْعَامِّ مِثْلُ الْخَاصِّ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَوْ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ بِالْعُمُومِ وَالثَّانِي بِالْخُصُوصِ ثُمَّ الْخَاتَمُ لَيْسَ بِعَامٍّ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ بَلْ الْفَصُّ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي اسْمِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَصِيرُ الْإِنْسَانُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ تَمَامًا فَكَذَلِكَ الْخَاتَمُ لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِالْعَامِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَصَّ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْخَاتَمِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَفَوَاتُهُ لَا يُخِلُّ بِالْحَقِيقَةِ أَيْضًا كَمَا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الْعَامِّ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.
وَقَدْ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِهِ كَالْوَاحِدِ مَعَ الْعَشَرَةِ فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُ جُعِلَ نَظِيرَ الصِّفَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْعَشَرَةِ وَلَا غَيْرَهَا كَالصِّفَاتِ لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ وَلَا غَيْرَهُ لَا أَنَّهُ نَظِيرٌ لِلصِّفَاتِ حَقِيقَةً لِأَنَّ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ النَّظِيرِ وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ جُزْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالصِّفَاتُ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ لِلذَّاتِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعُمُومَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى لَفْظٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لِتَعَدُّدِهِ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءٍ يَصِحُّ افْتِرَاقُهَا حِسًّا كَعَشَرَةٍ فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِهَا يُسَمَّى تَخْصِيصًا وَهُوَ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الْعَامِّ.
[رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ]
قَوْلُهُ (وَقَالُوا) أَيْ الْعُلَمَاءُ الثَّلَاثَةُ (فِي رَبِّ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ) إذَا اخْتَلَفَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا بِالتَّنْصِيصِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْعُمُومِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ عَمِلَ نَهْيُهُ فَهَهُنَا أَوْلَى فَيُجْعَلُ اخْتِلَافُهُمَا حَجْرًا لَهُ عَنْ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ وَقَدْ ظَهَرَ رِبْحٌ فَقَالَ الْمُضَارِبُ أَمَرْتَنِي بِالْبَزِّ وَقَدْ خَالَفْت فَالرِّبْحُ لِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أُسَمِّ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ الْمُضَارِبُ وَفِي الْعَقْدِ خُسْرَانٌ دَفَعْت الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute