للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ (بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ) وَهُوَ الَّذِي جُعِلَ الْخَبَرُ فِيهِ حُجَّةً وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مَا يَخْلُصُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ شَرَائِعِهِ مِمَّا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَالثَّانِي مَا هُوَ عُقُوبَةٌ مِنْ حُقُوقِهِ وَالثَّالِثُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مَا فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ، وَالرَّابِعُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ، وَالْخَامِسُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ عَامَّةِ شَرَائِعِ الْعِبَادَاتِ وَمَا شَاكَلَهَا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ شَرَائِطِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُمَا الْغُلُوُّ فَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُوجَدُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إلَى هَوَاهُ، وَلَا مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ أَيْضًا فِي الْمُعْتَمَدِ: الْفِسْقُ فِي الِاعْتِقَادِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ مُتَحَرِّجًا فِي أَفْعَالِهِ عِنْدَ جُلِّ الْفُقَهَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْحَدِيثِ لَا مَنْ تَقَدَّمَ قَبِلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ بَعْضٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَبِلَ التَّابِعُونَ رِوَايَةَ الْفَرِيقَيْنِ، قَالَ.

وَكَذَا الْكُفْرُ بِتَأْوِيلٍ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ مُتَحَرِّجًا؛ لِأَنَّ الظَّنَّ بِصِدْقِهِ غَيْرُ زَائِلٍ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَبِلُوا رِوَايَةَ سَلَفِنَا كَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَذْهَبِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَقَدْ نَصَبُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ يَظْهَرُ عَنْهُ الْعِنَادُ فِي مَذْهَبِهِ مَعَ ظُهُورِهِ عِنْدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ كَمَا لَا يُقْبَلُ حَدِيثُ الْفَاسِقِ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ. وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ أَيْضًا الْمُبْتَدِعَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَكْفُرُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَكْفُرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وَضْعَ الْأَحَادِيثِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَيْضًا لِتَوَهُّمِ الْكَذِبِ كَالْكَرَامِيَّةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ وَضْعِ الْحَدِيثِ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْوَضْعَ وَكَانَ عَدْلًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَيْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ (بَابُ مَحَلِّ الْخَبَرِ)

أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَبَابٌ بِالْفَاءِ لِلُزُومِهَا فِي جَوَابِ أَمَّا لَكِنَّ الْمَشَايِخَ قَدْ تَرَكُوهَا كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ نَظَرًا مِنْهُمْ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى ثُمَّ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَمَّا لَمْ يُفِدْ الْيَقِينَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْيَقِينِ وَإِنَّمَا كَانَ حُجَّةً فِيمَا قُصِدَ فِيهِ الْعَمَلُ فَقَسَّمَ الشَّيْخُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

قَوْلُهُ (فَمِثْلُ عَامَّةِ شَرَائِعِ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِثْلُ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ لَا مِنْ أُصُولِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ ابْتِدَاءَ عِبَادَةٍ أَوْ بِنَاءً عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيهَا حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا هُوَ ابْتِدَاءُ عِبَادَةٍ وَيُقْبَلُ فِيمَا هُوَ فَرْعٌ عَلَيْهَا فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَثَلًا فِي ابْتِدَاءِ نِصَابِ الْفِصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَابْتِدَاءُ عِبَادَةٍ وَيُقْبَلُ فِي النِّصَابِ الزَّائِدِ عَلَى خَمْسِ أَوَاقٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ وَبِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَادَةِ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ وَقَوَاعِدِهِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَأَمَّا مَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ، وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمُبْتَدَأَةِ لَمَّا كَانَ هُوَ الْعَمَلُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْعَمَلِ كَمَا يَثْبُتُ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا بِهِ إذْ الدَّلَائِلُ الْمُوجِبَةُ لِلْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ مَا هُوَ ابْتِدَاءُ عِبَادَةٍ وَبَيْنَ مَا هُوَ فَرْعٌ عَلَيْهَا وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَتَقَبَّلُونَ أَخْبَارَ الْآحَادِ فِي الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَمَا شَاكَلَهَا أَيْ مِنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ كَالْوُضُوءِ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا تَابِعٌ كَالْعُشْرِ أَوْ لَيْسَ بِخَالِصٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>