للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَحْكَامُ فِي هَذَا الْبَابِ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى مَا مَرَّ فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْهُ مَا هُوَ حَسَنٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَلَا عُهْدَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ لَمَّا ثَبَتَ أَهْلِيَّةُ أَدَائِهِ وَوُجِدَ مِنْهُ بِحَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُجِدَ بِحَقِيقَتِهِ لَمْ يَنْعَدِمْ إلَّا بِحَجْرٍ مِنْ الشَّرْعِ وَذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ حَسَنٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَلَا عُهْدَةَ فِيهِ إلَّا فِي لُزُومِ أَدَائِهِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْوَضْعَ فَوُضِعَ عَنْهُ فَأَمَّا الْأَدَاءُ فَخَالٍ عَنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ يُضَافُ إلَى الْكُفْرِ الْبَاقِي

ــ

[كشف الأسرار]

اعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ وَصَارَ تَوَهُّمُ وَصْفِ الْكَمَالِ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ وَتَوَهُّمُ بَقَاءِ النُّقْصَانِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِّ سَاقِطَيْ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْبَاطِنِ دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَأَيَّدَ هَذَا كُلَّهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَالْمُرَادُ بِالْقَلَمِ الْحِسَابُ وَالْحِسَابُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ لُزُومِ الْأَدَاءِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ اعْتِدَالُ الْحَالِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ.

قَوْلُهُ (وَالْأَحْكَامُ فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ وَيَعْنِي بِهِ الْأَهْلِيَّةَ الْقَاصِرَةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ بِأَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَذَا فِي أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِ مَا هُوَ حَسَنٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَجْهٍ وَلَا عُهْدَةَ أَيْ لَا تَبِعَةَ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا قَالَهُ رَدًّا لِمَذْهَبِ الْخَصْمِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى يَرِثَ أَبَاهُ الْكَافِرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ الْمُشْرِكَةُ لِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَلَا يَصْلُحُ وَلِيًّا فِيهِ بِنَفْسِهِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ إنَّمَا يَصِيرُ مُولَيًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَالَ عَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَمَتَى كَانَ قَادِرًا لَا يُجْعَلُ مُولَيًا عَلَيْهِ فَدَلَّ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَاجِزٌ.

وَكَذَا الشَّيْءُ إنَّمَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَلَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ تَبَعًا وَمَتْبُوعًا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْإِسْلَامَ مَنْفَعَةٌ مَحْضَةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَقْدُ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ حَيْثُ يُحْرَمُ بِهِ الْإِرْثَ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ وَتَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ الْمُشْرِكَةُ وَإِنْ كَانَ يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَحِلُّ لَهُ الْمُسْلِمَةُ فَكَانَ نَظِيرَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، فَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لِتَحَقُّقِ الِاعْتِقَادِ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ ثُبُوتُهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَسْلَمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ الْأَهْوَالَ صَحَّ إسْلَامُهُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُؤْمِنٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا كَانَ يُجْرَى أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا أَنَّ الْإِيمَانَ بِحَقِيقَتِهِ قَدْ وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ كَمَا لَوْ تَحَقَّقَ مِنْ الْبَالِغِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ وَأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَالْإِيمَانُ إقْرَارٌ وَتَصْدِيقٌ وَقَدْ سُمِعَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَعُرِفَ مِنْهُ التَّصْدِيقُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْإِقْرَارِ مِمَّنْ هُوَ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ وَكَلَامُنَا فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ رِسَالَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيُلْزِمُ الْخَصْمَ بِالْحُجَجِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِي مَعْرِفَتِهِ شُبْهَةٌ فَكَانَ هُوَ وَالْبَالِغُ سَوَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْإِيمَانِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>