للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْفُرْقَةُ وَلِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَمِنْ ثَمَرَاتِهِ وَإِنَّمَا يُتَعَرَّفُ صِحَّةُ الشَّيْءِ مِنْ حُكْمِهِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ وَهُوَ سَعَادَةُ الْآخِرَةِ لَا مِنْ ثَمَرَاتِهِ إلَّا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُعَدَّ عُهْدَةً.

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَاقِلِ كَمَا بَيَّنَّا.

وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ اهْتِدَاءٌ بِالْهُدَى وَإِجَابَةٌ لِلدَّاعِي وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَكُونَ هَادِيًا دَاعِيًا لِغَيْرِهِ إلَى الْهُدَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: ١٢] وَالْمُرَادُ النُّبُوَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَكُونَ مُهْتَدِيًا مُجِيبًا لِلدَّاعِي بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَبَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَوُجُودِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ لَوْ امْتَنَعَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ بِحَجْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِهِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْإِيمَانِ كُفْرٌ إذْ الْإِيمَانُ حَسَنٌ لَعَيْنِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا فِي حَالٍ وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَمِلْ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ وَلَمْ يَخْلُ عَنْ وُجُوبِهِ وَشَرْعِيَّتِهِ زَمَانٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْجَرَ الصَّبِيُّ عَنْهُ وَيُجْعَلَ الْإِسْلَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا عُهْدَةَ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالَ الْخَصْمُ الْإِسْلَامُ عَقْدٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْعُهْدَةَ فَقَالَ لَا عُهْدَةَ أَيْ لَا ضَرَرَ وَلَا تَبِعَةَ فِي الْإِيمَانِ إلَّا فِي لُزُومِ أَدَائِهِ وَذَلِكَ أَيْ لُزُومُ الْأَدَاءِ يَحْتَمِلُ الْوَضْعَ أَيْ الْإِسْقَاطَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ وَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ فَوَضَعَ عَنْهُ أَيْ أَسْقَطَ لُزُومَ الْأَدَاءِ عَنْ الصَّبِيِّ بِعُذْرِ الصِّبَا أَيْضًا فَأَمَّا الْأَدَاءُ أَيْ نَفْسُ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ فَخَالٍ عَنْ الْعُهْدَةِ أَيْ الضَّرَرِ بَلْ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ كَمَا بَيَّنَّا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ.

وَلَمَّا كَانَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَلَكِنِّي لَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِتَضَمُّنِهِ فَسَادَ النِّكَاحِ وَحِرْمَانَ الْإِرْثِ أَشَارَ فِي الْجَوَابِ إلَى رَدِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي مَا تَرَتَّبَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ حِرْمَانِ الْإِرْثِ عَنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ مُضَافٌ إلَى كُفْرِ الْبَاقِي عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي الَّذِي مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا إلَى إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ لِأَنَّ الْحِرْمَانَ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَالسَّبَبُ الْقَاطِعُ كُفْرُ الْكَافِرِ مِنْهُمَا لَا إسْلَامُ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالْحِرْمَانِ الْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَهُمَا فِي إضَافَتِهَا إلَى كُفْرِ الْبَاقِي عَلَى الْكُفْرِ لَا إلَى إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ لِمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْإِسْلَامُ نَفْعًا مَحْضًا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مُضَافٌ إلَيْهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَرِيبٍ يَرِثُهُ وَلَا امْرَأَةٍ يَفْسُدُ نِكَاحُهَا بَلْ هُوَ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَتَحَقُّقِهِ لَا أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ تَعَرُّفَ صِحَّةِ الشَّيْءِ يُسْتَفَادُ مِنْ حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ سَعَادَةُ الْآخِرَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا مِمَّا هُوَ مِنْ ثَمَرَاتِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ قَرِيبُهُ فَقَبِلَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَلَا يَمْتَنِعُ شَرْعِيَّةُ الْإِرْثِ وَالْهِبَةِ فِي حَقِّهِ بِهَذَا السَّبَبِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لِلْإِرْثِ وَالْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَا مَقْصُودًا بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَلِهَذَا يَتَحَقَّقُ الْإِرْثُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ فَلَا يَمْتَنِعُ الْإِرْثُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ

وَكَذَا الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ يَمْلِكُ شِرَاءِ أَبِ الْآمِرِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ مُؤْتَمِرٌ بِأَمْرِهِ وَالْعِتْقُ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي هِيَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِسْلَامِ تَلْزَمُ الصَّبِيَّ إذَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ كَافِرٌ أَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ الْمُسْلِمُ وَوَرِثَ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>