للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ مَا هُوَ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ الْجَهْلُ بِالصَّانِعِ وَالْكُفْرُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عِلْمُهُ بِوَالِدَيْهِ فَكَيْفَ يُرَدُّ عِلْمُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْجَهْلُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعَدُّ مِنْهُ عِلْمًا فَكَيْفَ الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَجْعَلَ رِدَّتَهُ عَفْوًا بَلْ كَانَ صَحِيحًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِالرِّدَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ حُكْمًا لِصِحَّتِهِ لَا قَصْدًا إلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِهِ كَمَا إذَا ثَبَتَ تَبَعًا

ــ

[كشف الأسرار]

أَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ يَثْبُتُ حِرْمَانُ الْإِرْثِ وَيَقَعُ الْعِتْقُ وَالْفُرْقَةُ وَلَمْ يُعَدَّ لُزُومُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عُهْدَةً أَيْ ضَرَرًا فِي حَقِّهِ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ دُونَ مَا هُوَ مِنْ الثَّمَرَاتِ فَكَذَا إذَا أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ لُزُومِ الضَّرَرِ مُعَارَضٌ بِلُزُومِ النَّفْعِ فَإِنَّهُ بِالْإِسْلَامِ يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِلْإِرْثِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَرَّرُ مِلْكُ نِكَاحِهِ إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَإِذَا تَعَارَضَ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ تَسَاقَطَا وَبَقِيَ الْإِسْلَامُ فِي نَفْسِهِ نَفْعًا مَحْضًا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الضَّرَرِ فَيَصِحُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْوِلَايَةِ أَنْ يَقْدِرَ الرَّجُلُ عَلَى مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَلَدِهِ بَلْ يَعْقِدُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي وَلَدِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأُمِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ مَعَ الْأَبِ فَعُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُولَيًا عَلَيْهِ وَوَلِيًّا عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ نَفْعًا مَحْضًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْأَبَ يَقْبَلُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ هُوَ بِنَفْسِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ أَثْبَتَتْ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ فَلَا تُوجِبُ حَجْرًا عَمَّا هُوَ نَظَرٌ لَهُ مَحْضٌ بَلْ يَثْبُتُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا لِيَنْتَفِعَ بِطَرِيقَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَبَعًا وَمَتْبُوعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ وَلَكِنَّ الْحَالَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ لِأَنَّهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ وَفِي حَالِ كَوْنِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الشَّيْءِ دَلِيلَانِ يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا كَوْنَهُ أَصْلًا وَالْآخَرُ كَوْنَهُ تَبَعًا كَالْجَنِينِ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ وَيَصْلُحُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَكَالشَّجَرِ يَتْبَعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ وَيَصْلُحُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فِيهِ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ أَصْلًا وَتَبَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ يَبْقَى تَبَعًا لِلْغَيْرِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ فِيهِ يَصْلُحُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَوْ مِنْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ كَوْنِهِ قَبِيحًا عَلَى مُقَابَلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجَهْلُ بِالصَّانِعِ وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ حُرْمَةَ حَقِّهِ كَحُرْمَةِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّ رِدَّةَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ عَفْوًا بِعُذْرِ الصِّبَا فَتَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَيُحْرَمُ هُوَ الْمِيرَاثُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْقِيَاسُ فَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ مَعَ اعْتِقَادِ الشِّرْكِ حَقِيقَةً وَالْعَفْوَ عَنْ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ خِلَافُ الْعَقْلِ وَالنَّصِّ.

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الِارْتِدَادَ ضَرَرٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ مَنْفَعَةٌ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ كَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَهِبَةِ مَالِهِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ مَا هُوَ ضَرَرٌ يَشُوبُهُ مَنْفَعَةٌ كَالْبَيْعِ فَمَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا وَيُحْجَرُ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَنْهُ زَوَالُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ فِي الصِّبَا وَبَلَغَ كَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ وَلَوْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ لَوَجَبَ قَتْلُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ

وَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>