للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مِثْلِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَقُلْنَا فِيهِ بِصِحَّةِ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ عُهْدَةٍ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّبِيَّ فِي حَقِّ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ لِأَنَّ الْبَالِغَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِتَحَقُّقِهَا مِنْهُ وَكَوْنِهَا مَحْظُورَةً لَا لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً بِحَالٍ وَأَنَّهَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَالْإِيمَانِ وَيَثْبُتُ الْحَظْرُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْظُورَةً فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا فِي حَقِّ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا مِنْهُ وَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُهَا بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً لِلْحَجْرِ شَرْعًا فَإِنَّ الْبَالِغَ مَحْجُورٌ عَنْ الرِّدَّةِ كَالصَّبِيِّ وَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُهَا بِعُذْرِ الصِّبَا لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَكَذَا بِعُذْرِ الصِّبَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ إنَّمَا حَكَمْنَا بِرِدَّتِهِ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِمَّا يُوجِدُهُ الْعَبْدُ عَنْ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَذَلِكَ مُتَصَوَّرُ التَّرْكِ مِنْهُ وَمَتَى قُلْنَا لَا يُتَصَوَّرُ التَّرْكُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ إسْلَامًا وَتَرْكُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ وُجُودِهِ هُوَ الرِّدَّةُ.

وَقَوْلُهُ: أَلَا يَرَى إلَى آخِرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا سَبَقَ وَبِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَمِنْهُ مَا هُوَ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ أَيْضًا كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عِلْمُهُ بِوَالِدَيْهِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ مِنْ جَانِبِهِمَا وَهُوَ ضَرَرُ التَّأْدِيبِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ جَهْلًا بَلْ يُجْعَلُ عِلْمًا حَقِيقَةً فَكَيْفَ يُرَدُّ عِلْمُهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ بِسَبَبِ أَحْكَامٍ تَلْزَمُهُ بِنَاءً عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ آدَابَ الشَّرْعِ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ آدَابِ الْأَبَوَيْنِ.

وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا لَا يُرَدُّ عِلْمُهُ بِالْوَالِدَيْنِ وَلَا يُعَدُّ جَهْلًا الْجَهْلُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعَدُّ مِنْهُ عِلْمًا حَتَّى لَا يُجْعَلَ عَارِفًا لِشَيْءٍ جَهِلَهُ فَكَيْفَ الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى يُعَدُّ عِلْمًا مَعَ أَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْ الْجَهْلِ بِغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَهْلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُعَدُّ عِلْمًا بِهِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ ارْتِدَادُهُ عَفْوًا إذْ لَوْ عَفَى لَصَارَ الْجَهْلُ بِهِ عِلْمًا إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْجَهْلِ بِهِ بَلْ كَانَ صَحِيحًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ لَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُهَا بِلَا إيمَانٍ وَقَدْ زَالَ بِالِارْتِدَادِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ فَلَمْ يَبْقَ اعْتِقَادُ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ جَامَعَ فِي حَجِّهِ أَوْ اعْتِكَافِهِ أَوْ أَكَلَ فِي صَوْمِهِ مُتَعَمِّدًا لَمْ تَبْقَ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَ فِي فَسَادِهَا لَهُ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُنَافِيهَا وَكَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ حُكْمًا لِصِحَّتِهِ أَيْ لِصِحَّةِ ارْتِدَادِهِ لَا قَصْدًا إلَيْهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَعْنِي لُزُومُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الِارْتِدَادِ لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ لَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الِارْتِدَادِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَصْدًا إلَيْهَا فَلَمْ يَصْلُحْ الْعَفُوُّ عَنْ مِثْلِهِ الضَّمِيرُ لِلِارْتِدَادِ أَيْ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الِارْتِدَادُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِأَنْ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَزِمَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهَا وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِهِ بَعْدَ الِارْتِدَادِ فَسَنُبَيِّنُهُ عَنْ قَرِيبٍ.

(قَوْلُهُ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْ وَمِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَيْ بَيْنَ مَا هُوَ حَسَنٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا مَشْرُوعًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَفِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالصَّوْمَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي اللَّيْلِ وَالْحَجَّ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَقُلْنَا فِيهَا أَيْ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِصِحَّةِ الْأَدَاءِ مِنْ الصَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>