حَتَّى قُلْنَا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَخْلُو عَنْ الْعُهْدَةِ وَقَدْ شُرِعَتْ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهَا تَطَوُّعًا بِلَا لُزُومِ مُضِيٍّ وَلَا وُجُوبِ قَضَاءٍ لِأَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ كَذَلِكَ أَلَا يَرَى أَنَّ الْبَالِغَ إذَا شَرَعَ فِيهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ أَنَّ اللُّزُومَ يَبْطُلُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إذَا شَرَعَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ أُحْصِرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَقُلْنَا فِي الصَّبِيِّ إذَا أَحْرَمَ صَحَّ مِنْهُ بِلَا عُهْدَةٍ حَتَّى إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَقُلْنَا فِي الصَّبِيِّ إذَا ارْتَدَّ أَنْ لَا يُقْتَلَ وَإِنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَجِبُ بِالْمُحَارَبَةِ لَا بِعَيْنِ الرِّدَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَأَشْبَهَ رِدَّةَ الْمَرْأَةِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَيْضًا مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَمَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْعَاقِلِ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ مِنْ غَيْرِ عُهْدَةِ لُزُومِ مُضِيٍّ وَضَمَانٍ حَتَّى قُلْنَا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ أَيْ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ الصَّبِيِّ فِي الْكُلِّ مَالِيًّا كَانَ أَوْ بَدَنِيًّا لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَخْلُو عَنْ إلْزَامِ عُهْدَةٍ وَقَدْ شُرِعَتْ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ اللُّزُومُ كَمَا فِي الْمَظْنُونِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهَا أَيْ بِصِحَّةِ أَدَاءِ مَا كَانَ بَدَنِيًّا مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ يَعْتَادُ أَدَاءَهَا فَلَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ التَّنَفُّلُ بِجِنْسِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ أَدَاءِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ بِصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ بِلَا لُزُومِ مُضِيٍّ أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا وَلَا وُجُوبِ قَضَاءٍ أَيْ إذَا تَرَكَهَا أَوْ أَفْسَدَهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ قَدْ شُرِعَتْ فِي الْجُمْلَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِلَا لُزُومِ مُضِيٍّ وَوُجُوبِ قَضَاءٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَالِغَ إذَا شَرَعَ فِيهَا أَيْ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ أَوْ الْعِبَادَاتِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى إذَا أَفْسَدَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَكَذَا الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَأَمَّا مَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَدَاؤُهُ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ فِي الْعَاجِلِ بِاعْتِبَارِ مَالِهِ فَيَبْتَنِي ذَلِكَ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ لَا عَلَى الْقَاصِرَةِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ يَعْنِي بِهِ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا شَرَعَ الْبَالِغُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْإِتْمَامُ مِنْ غَيْرِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى إذَا أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا أَحْرَمَ صَحَّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ حَتَّى لَوْ مَضَى عَلَيْهِ يَقَعُ عِبَادَةً نَافِلَةً وَلَكِنْ بِلَا لُزُومِ عُهْدَةٍ حَتَّى إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ إيجَابَ ضَرَرٍ وَعُهْدَةٍ وَذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ قَوْلُهُ (وَقُلْنَا فِي الصَّبِيِّ) إلَى آخِرِهِ جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ رِدَّةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُمَا حَكَمَا بِصِحَّةِ ارْتِدَادِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ ثُمَّ لَمْ يَحْكُمَا بِصِحَّتِهِ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ فَقَالَ إنَّمَا لَا يُقْتَلُ وَإِنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ عَيْنِ الرِّدَّةِ وَمِنْ لَوَازِمِهَا بَلْ هُوَ يَجِبُ بِالْمُحَارَبَةِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَكَذَا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَالزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ فِي رِوَايَةٍ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُحَارَبَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ جَزَاءً وَعُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا يُبْتَنَى عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ لَا عَلَى الْقَاصِرَةِ.
وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَازُ ضَرْبِهِ عِنْدَ إسَاءَةِ الْأَدَبِ مَعَ أَنَّهُ نَوْعُ جَزَاءٍ وَلَا جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ عُقُوبَةٌ وَجَزَاءٌ عَلَى الْكُفْرِ عَلَى مَا عُرِفَ لِأَنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ إسَاءَةِ الْأَدَبِ تَأْدِيبٌ لِلرِّيَاضَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَنْزِلَةِ ضَرْبِ الدَّوَابِّ لَا جَزَاءً عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي وَكَذَا اسْتِرْقَاقُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا هُوَ مُبَاحٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ كَالصَّيُودِ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الْحَرْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يُقَالُ زَوَالُ الْعِصْمَةِ الَّتِي هِيَ كَرَامَةٌ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزُولَ عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّا نَقُولُ زَوَالُهَا بِمَنْزِلَةِ زَوَالِ الصِّحَّةِ بِالْمَرَضِ وَالْحَيَاةِ بِالْمَوْتِ وَالْغِنَى بِالْفَقْرِ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ جَزَاءٌ بِطَرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute