للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ الْقَاصِرَةَ وَالْقُدْرَةَ الْقَاصِرَةَ كَافِيَةٌ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ أَلَا يَرَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ النَّوَافِلِ مِنْهُ صَحَّتْ لِمَا قُلْنَا، وَفِي ذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذَا بَلَغُوا عَشْرًا» وَإِنَّمَا هَذَا ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَتَعْزِيرٍ لَا عُقُوبَةٍ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مِثْلَ قَبُولِ الْهِبَةِ وَقَبُولِ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى الْعَمَلِ وَجَبَ الْأَجْرُ لِلْحُرِّ اسْتِحْسَانًا وَوَجَبَ لِلْعَبْدِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ فِي الصَّبِيِّ الْحُرِّ

ــ

[كشف الأسرار]

الْعُقُوبَةِ، إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا كَمَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ بِوُجُودِ الِارْتِدَادِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَزَوَالِ الْعُذْرِ وَهُوَ الصِّبَا وَتَحَقُّقُ مَعْنَى الْمُحَارَبَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْتَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ فِي الصِّغَرِ صَارَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ رِدَّتِهِ إهْدَارَ دَمِهِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهَا اسْتِحْقَاقُ قَتْلِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ وَلَوْ قَتَلَهَا إنْسَانٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ مُبَاشَرَتُهُ) لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ مُمْكِنٌ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ وَفِي تَصْحِيحِهِ نَظَرٌ لَهُ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِالنَّظَرِ فِي حَقِّهِمْ لِمَا قُلْنَا يَعْنِي صِحَّةَ النَّوَافِلِ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ الْقَاصِرَةَ كَافِيَةٌ لِأَدَاءِ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَالنَّوَافِلُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَفِي ذَلِكَ أَيْ فِي جَوَازِ أَدَاءِ النَّوَافِلِ مِنْهُ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَائِهَا.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هَذَا إلَى الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ كَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ ضَرْبُ الصَّبِيِّ وَالْأَمْرُ بِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عُقُوبَةٌ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ مَا هُوَ عُقُوبَةٌ سَاقِطٌ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا أَيْ الضَّرْبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَتَعْزِيرٍ لِيَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَادَ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا عُقُوبَةً عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْمَاضِي وَالضَّرْبُ لِلتَّأْدِيبِ مِنْ أَنْفَعِ الْمَنَافِعِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَمَا قِيلَ:

أَدِّبْ بَنِيك إذَا مَا اسْتَوْجَبُوا أَدَبًا ... فَالضَّرْبُ أَنْفَعُ أَحْيَانًا مِنْ النَّدَمِ

فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَأَدَاءِ النَّوَافِلِ فِي الصِّحَّةِ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مِثْلَ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَبْضِهِمَا وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهَا وَذَلِكَ أَيْ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَوْ مُبَاشَرَةِ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ مِنْ الصَّبِيِّ مِثْلَ قَبُولِ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِأَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ وَقَبَضَهُ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ حَجَرَهُ عَمَّا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ تَوَهُّمُ ضَرَرٍ لَهُ وَهَذَا نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ وَلَا يَظْهَرُ الْحَجْرُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ قَبُولِ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا آجَرَ الصَّبِيُّ إلَى آخِرِهِ لَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَلَا لِلْعَبْدِ الْمَحْجُورِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيِّ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ بِهَذَا الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مَعْنَى الضَّرَرِ.

فَإِنْ عَمِلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَصِحَّ وَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ بِاعْتِبَارِهِ فَإِذَا فَصَدَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَجَبَ الْأَجْرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً بَعْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَإِنَّا لَوْ اعْتَبِرْنَا الْعَقْدَ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ وَلَوْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْأَجْرُ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَفِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ لَا حَجْرَ فَإِنْ عَطِبَ الْعَبْدُ فِي الْعَمَلِ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ضَامِنًا لَقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَهُ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْأَجْرَ عَلَيْهِ لِنَفْعِ الْمَوْلَى وَوُجُوبُ الضَّمَانِ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ لُزُومِ

<<  <  ج: ص:  >  >>