للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَالصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ اسْتَوْجَبَ الرَّضْخَ اسْتِحْسَانًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ عِبَارَةِ الصَّبِيِّ فِي بَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ غَيْرِهِ أَوْ عَتَاقِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يُكْرَمُ لِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ وَعِلْمِ بَيَانٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ٤] فَكَانَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ الْخَالِصَةِ وَفِي ذَلِكَ يُوصَلُ إلَى دَرْكِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ وَاهْتِدَاءٍ فِي التِّجَارَةِ بِالتَّجْرِبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] .

وَأَمَّا مَا كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ فَبَطَلَتْ مُبَاشَرَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْأَجْرِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا قَامَ مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيجَابِ الْأَجْرِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ أَيْ الْأَجْرُ لِلْعَبْدِ أَيْ لِمَوْلَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ فِي الْحُرِّ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ الْعَبْدُ إذَا قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ الصَّبِيُّ إذَا قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَهْلًا لَهُ عِنْدَ إذْنِ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيِّ فَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ الْحِرَفِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اسْتَحَقَّ الرَّضْخَ وَإِلَّا فَلَا.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْضَخُ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَعَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً وَاسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ هُوَ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيِّ دَلَالَةً قَوْلُهُ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ اسْتِحْسَانًا قَوْلَ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً لِأَنَّ عِنْدَهُ أَمَانَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ أَيْ أَمَانَهُمَا صَحِيحٌ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا لِلرَّضْخِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُ تَفْرِيعَاتُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ كَتَفْرِيعَاتِ الزِّيَادَاتِ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا لِأَنَّ أَمَانَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ بِدُونِ الْإِذْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا بِالْقِتَالِ كَالْحَرْبِيِّ إذَا قَاتَلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْقَلَبَتْ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ٤] مَنَّ عَلَيْهِ بِتَعْلِيمِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ بِالْبَيَانِ وَهُوَ الْمَنْطِقُ الْفَصِيحُ الْمُعْرِبُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ ... فَلَمْ تَبْقَ إلَّا صُورَةٌ اللَّحْمُ وَالدَّمُ

فَكَانَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ أَيْ بِصِحَّةِ كَلَامِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ الْخَالِصَةِ أَيْ عَنْ الضَّرَرِ وَفِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْقَوْلِ بِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ إذَا تَوَكَّلَ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَوَصَّلَ إلَى دَرْكِ الْمَنَافِعِ مِنْ الْأَرْبَاحِ وَالْمَضَارِّ مِنْ الْغَبَنِ وَالْخُسْرَانِ وَاهْتِدَاءٍ فِي التِّجَارَةِ بِالتَّجْرِبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ وَنُقْصَانٌ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] أَيْ اخْتَبِرُوا عُقُولَهُمْ وَتَعَرَّفُوا أَحْوَالَهُمْ وَمَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلِ الْبُلُوغِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا أَيْ هِدَايَةً دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ فَعُلِمَ أَنَّ اهْتِدَاءَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ وَنَفْعٌ مَحْضٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاهْتِدَاءُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ عُهْدَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَدَمُ صِحَّةِ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحَ عِبَارَتِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ فِي الْإِلْزَامِ بِغَيْرِ رِضَاءٍ وَبِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ لَا نُثْبِتُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ قَوْلُهُ.

(فَأَمَّا مَا كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>