للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعَنْبَرِ أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ وَالسَّمَكُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَلَا خُمُسَ فِي الْمَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِيهِ وَلَمْ يَرِدْ أَثَرٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ أَيْضًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ الْخُمُسُ إلَّا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِلَا شُبْهَةٍ فَقَوْلُ الْقَائِلِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ مَعَ احْتِمَالِ قُصُورِهِ عَنْ غَيْرِهِ فِي دَرْكِ الدَّلِيلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً، وَلِهَذَا صَحَّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: ١٤٥] ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ فَشَهَادَتُهُ بِالْعَدَمِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى عَدَمِهِ إذَا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَا يُوصَفُ بِالْعَجْزِ فَأَمَّا الْبَشَرُ فَإِنَّ صِفَةَ الْعَجْزِ يُلَازِمُهُمْ، وَالسَّهْوُ يَعْتَرِيهِمْ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ نُسِبَ إلَى السَّفَهِ أَوْ الْعَتَهِ فَلَمْ يُنَاظَرْ وَمَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ــ

[كشف الأسرار]

لَيْسَ بِعَاجِزٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ قَوْلَهُ.

(وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي) لَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ الِاحْتِجَاجِ بِلَا دَلِيلٍ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حَاكِيًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا خُمُسَ فِي الْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَإِنَّهُ تَمَسَّكَ بِلَا دَلِيلٍ لِنَفْيِ الْخُمُسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ السُّؤَالِ أَيْ لَمْ يَكْتَفِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ بَلْ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ حَيْثُ قَالَ حَاكِيًا عَنْهُ: لَا خُمُسَ فِي الْعَنْبَرِ قُلْت لِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ قُلْت وَمَا بَالُ السَّمَكِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ.

وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ مُؤَثِّرٍ لِأَنَّا أَخَذْنَا خُمُسَ الْمَعَادِنِ مِنْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ الْخُمُسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الْمَعَادِنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ آخَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَكَانَ الْقِيَاسُ نَافِيًا وُجُوبَ الْخُمُسِ فِيهِ وَلَمْ يَرِدْ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ بِهِ الْقِيَاسَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ إشَارَةٌ إلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ لَا احْتِجَاجًا بِلَا دَلِيلٍ ثُمَّ أَقَامَ الشَّيْخُ دَلِيلًا آخَرَ وَأَجَابَ عَنْ تَمَسُّكِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ بِالْأَدِلَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْحِجَجِ تَفَاوُتًا لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ شَبَهُ الْمَحْسُوسِ لِمَنْ يَرْجِعُ إلَى أَحْوَالٍ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقِفُ عَلَى مَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] فَمَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ وَاحْتِمَالِ قُصُورِ النَّافِي عَنْ غَيْرِهِ فِي دَرْكِ الدَّلِيلِ لَا يَكُونُ تَمَسُّكُهُ بِلَا دَلِيلٍ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ؛ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ فَسَادَ الِاحْتِجَاجِ بِلَا دَلِيلٍ لِاحْتِمَالِ الْقُصُورِ عَنْ الْغَيْرِ فِي دَرْكِ الْأَدِلَّةِ صَحَّ هَذَا النَّوْعُ أَيْ الِاحْتِجَاجُ بِلَا دَلِيلٍ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ لِلْأَحْكَامِ وَالْوَاضِعُ لِلدَّلَائِلِ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ بِالْعَدَمِ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى الْعَدَمِ وَمَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَيْ احْتَجَّ بِلَا دَلِيلٍ وَفَتَحَ بَابَهُ اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمُوجِبِ لَا لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّفْيِ عَنْ سَبَبٍ وَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّفْيِ عَنْ صُورَةٍ وَلَا عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ لِمَا بَيَّنَّا كَانَتْ حَاصِلَةً بِالتَّقْلِيدِ، أَوْ لَيْسَ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ شَيْءٌ سِوَى التَّقْلِيدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَمَنْ شَرَعَ أَيْ جَوَّزَ الْعَمَلَ بِلَا دَلِيلٍ.

اُضْطُرَّ إلَى التَّقْلِيدِ أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ، وَالتَّقْلِيدُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الرَّجُلِ غَيْرَهُ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ بِفِعْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُحِقٌّ بِلَا نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَأَمُّلٍ وَتَمْيِيزٍ بَيْنَ كَوْنِهِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ حَقًّا وَبَاطِلًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مُحْتَمَلٌ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَحُجَّةً وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكَفَرَةِ احْتِجَاجَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْآبَاءِ بِنَفْسِ الرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَلَيْسَ اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ صَاحِبَ الْوَحْيِ وَلَا رُجُوعَ الْعَامِّيِّ إلَى قَوْلِ الْمُفْتِي وَلَا الْقَاضِي إلَى قَوْلِ الْعُدُولِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَقِيَامِ الْمُعْجِزَةِ فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ.

وَكَذَا وَجَبَ قَبُولُ الْإِجْمَاعِ بِقَوْلِ الرَّسُولِ وَوَجَبَ قَبُولُ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدَيْنِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَقْلِيدًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ عَدَمُ الْحُجَّةِ وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِأَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَافٍ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>