للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فَسَادُ الْوَضْعِ فَيُفْسِدُ الْقَاعِدَةَ أَصْلًا مِثَالُهُ تَعْلِيلُهُمْ لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا بَقَاءَ النِّكَاحِ مَعَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ فِي الْوَضْعِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ قَاطِعًا لِلْحُقُوقِ وَالرِّدَّةُ لَا يَصْلُحُ عَفْوًا.

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَلَا وَجْهَ سِوَى الِانْتِقَالِ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيَانُ أَنَّ الْمُجِيبَ بَنَى الْكَلَامَ فِي مَحَلِّهِ لَكِنْ غَيْرَ مُحَكَّمٍ حَتَّى قَبْلَ النَّقْضِ وَفَسَادُ الْوَضْعِ بَيَانُ أَنَّهُ وَضَعَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَكَانَ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسَادُ الْوَضْعِ فِي الْعِلَلِ بِمَنْزِلَةِ فَسَادِ الْأَدَاءِ فِي الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الِاطِّرَادَ إنَّمَا يُطْلَبُ بَعْدَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا أَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَسْتَقِلُّ لِتَعْدِيلِهِ بَعْدَ صِحَّةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مِنْهُ فَأَمَّا مَعَ فَسَادٍ فِي الْأَدَاءِ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّعْدِيلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ حَاصِلَ الْقَوْلِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ يَحْصُرُهُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَوْضُوعٌ عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ.

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ التَّعْلِيلَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ أَوْ يَقُولَ: إنَّهُ بِالْقِيَاسِ حَاوَلَ الْجَمْعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا أَوْ حَاوَلَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَمَعَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَمُلَخَّصُ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ يُخَالِفُ وَضْعَهُ مُوجِبٌ مُتَمَسَّكٌ فِي الشَّرْعِ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ فَاسِدَ الْوَضْعِ مَرْدُودًا.

وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُشْعِرًا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي رُبِطَ بِهِ وَهَذَا زَائِدٌ فِي الْفَسَادِ عَلَى فَسَادِ الطَّرْدِ؛ لِأَنَّ الطَّرْدَ مَرْدُودٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ فَاَلَّذِي لَا يُشْعِرُ بِهِ وَيُخَيَّلُ خِلَافُهُ يَكُونُ أَوْلَى بِالرَّدِّ وَمِثَالُهُ ذِكْرُ وَصْفٍ يُشْعِرُ بِالْغَلِيظِ فِي رُومِ تَخْفِيفٍ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا اعْتَبَرَ الْقَايِسُ الْحَدَّ عَلَى الْمَهْرِ فِي طَلَبِ الثَّوْبِ أَوْ الْمَهْرِ عَلَى الْحَدِّ فِي مُحَاوَلَةِ السُّقُوطِ يَكُونُ فَاسِدًا فِي الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَمْوَالُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَاعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الثُّبُوتِ أَوْ السُّقُوطِ يَكُونُ فَاسِدًا فِي الْوَضْعِ وَدَفْعُ هَذَا السُّؤَالِ بِإِظْهَارِ الْمُلَاءَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ فِي الْقِيَاسِ وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا صَارَ مُنْقَطِعًا.

مِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ فَسَادِ الْوَضْعِ تَعْلِيلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَيْ بِسَبَبِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ الْبَاءُ صِلَةُ التَّعْلِيلِ أَيْ جَعَلُوا نَفْسَ الْإِسْلَامِ عِلَّةً لِإِيجَابِ الْفُرْقَةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا حَيْثُ قَالُوا: إسْلَامُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الدِّينِ فَوَجَبَ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَعَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وَلِإِبْقَاءِ النِّكَاحِ أَيْ وَتَعْلِيلُهُمْ لِإِبْقَاءِ النِّكَاحِ مَعَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا حَيْثُ قَالُوا: هَذِهِ فُرْقَةٌ وَجَبَتْ بِسَبَبٍ طَارِئٍ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرِ مُنَافٍ إيَّاهُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَأَجَّلَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَالطَّلَاقِ.

فَأَوْجَبُوا الْفُرْقَةَ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَحَكَمُوا بِبَقَاءِ النِّكَاحِ مَعَ الرِّدَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فَاسِدٌ أَيْ تَعْلِيلُهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَاسِدٌ فِي وَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَبَقَاءِ الْآخَرِ عَلَى الْكُفْرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَصَلَ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا وَبَقَاءِ الْآخَرِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْحَادِثِ أَبَدًا أَوْ إلَى آخِرِ الْأَوْصَافِ وُجُودًا وَالْحَادِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ الْإِسْلَامُ وَكَذَا آخِرُ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا هُوَ الْإِسْلَامُ لَا غَيْرُ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْفُرْقَةَ لَوَجَبَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي حَدَثَ الِاخْتِلَافُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شُرِعَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ وَالْأَمْلَاكِ لَا قَاطِعًا لَهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْحَادِثُ هُوَ الِارْتِدَادُ وَهُوَ آخِرُ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا فَوَجَبَ إضَافَةُ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>