للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيُجَازَى بِهَا مَرَّةً وَلَا يُجَازَى بِهَا أُخْرَى فَإِذَا جُوزِيَ بِهَا فَإِنَّمَا يُجَازَى بِهَا عَلَى سُقُوطِ الْوَقْتِ عَنْهَا كَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ فَقَدْ قَالُوا إنَّهَا لِلْوَقْتِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ الْوَقْتِ عَنْهَا مِثْلَ مَتَى فَإِنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا ذَلِكَ بِحَالٍ وَالْمُجَازَةُ بِهَا لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُجَازَاةُ بِإِذَا غَيْرُ لَازِمَةٍ بَلْ هِيَ فِي حَيِّزِ الْجَوَازِ وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بَيَانُهُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ مِثْلَ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك لِأَنَّ إذَا اسْمٌ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الظُّرُوفِ وَهُوَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْوَقْتِ خَالِصًا فَقِيلَ كَيْفَ الرُّطَبُ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَيْ حِينَئِذٍ.

وَلَا يَصْلُحُ إنْ هُنَا وَيُقَالُ آتِيك إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ وَلَا يَجُوزُ إنْ اشْتَدَّ الْحَرُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي خَطَرًا أَوْ تَرَدُّدًا هُوَ أَصْلُهُ وَإِذَا تَدْخُلُ لِلْوَقْتِ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١] وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُفَاجَأَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُفَسَّرًا مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ مُبْهَمًا فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا

ــ

[كشف الأسرار]

الْبُسْرُ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّ احْمِرَارَ الْبُسْرِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْإِتْيَانِ وَإِذَا قُلْت أَخْرُجُ إذَا خَرَجْت كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك أَخْرُجُ الْوَقْتَ الَّذِي تَخْرُجُ فِيهِ وَلَا تَكُونُ مَوْضُوعَةً عَلَى تَعْلِيقِ خُرُوجِ هَذَا بِخُرُوجِ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِك أَخْرُجْ إنْ خَرَجْت. قَالَ وَمَنْ جَازَى بِهَا فَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَك لَمَّا تَعَلَّقَ بِوَقْتِ خُرُوجِ الْآخَرِ صَارَ كَأَنَّ هَذَا سَبَبٌ لَهُ فَدَخَلَهُ مَعْنَى الْجَزَاءِ. وَنَظِيرُ إذَا فِي أَنَّ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ دَخَلَهُ وَلَا يُجْزَمُ بِهِ الَّذِي فَإِنَّك تَقُولُ الَّذِي يَفْعَلُ كَذَا فَلَهُ دِرْهَمٌ بِمَعْنَى أَنْ يَفْعَلَ إنْسَانٌ فَلَهُ دِرْهَمٌ ثُمَّ لَا تَجْزِمُ بِهِ (قَوْلُهُ فَيُجَازِي بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ إذَا مَرَّةً وَلَا يُجَازِي بِهَا أُخْرَى أَيْ تُسْتَعْمَلُ مَرَّةً لِلشَّرْطِ وَيُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ وَتُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ مَرَّةً.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالشَّرْطِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْطِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَصَارَتْ بِمَعْنَى إنْ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي أَحَدِ الْمَعَانِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْوَقْتِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ كَمَتَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَأَمَّا إذَا نَوَى الشَّرْطَ أَوْ الْوَقْتَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى بِالِاتِّفَاقِ. وَالْمُجَازَاةُ بِهَا أَيْ بِكَلِمَةِ مَتَى لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ. وَمَوْضِعُ الِاسْتِفْهَامِ مِثْلُ قَوْلِك مَتَى الْقِتَالُ أَوْ مَتَى خَرَجَ زَيْدٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي مُقَابَلَةِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْفَهْمِ عَنْ وُجُودِ شَيْءٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ إذَا لِلشَّرْطِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ فِي مَتَى أَلْزَمُ مِنْهَا فِي إذَا لِأَنَّهَا فِي مَتَى لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي إذَا جَائِزَةٌ ثُمَّ لَمْ يَسْقُطْ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْ مَتَى فِي الْمُجَازَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْ إذَا فِيهَا. وَإِذَا تَدْخُلُ لِلْوَقْتِ أَيْ لِإِفَادَةِ الْوَقْتِ الْخَالِصِ.

عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَيْ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ:

وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

أَوْ مُنْتَظَرٍ. لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١] . لِأَنَّ ذَلِكَ سَيُوجَدُ قَطْعًا. وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُفَاجَأَةِ. إذَا الْمُفَاجَأَةُ هِيَ الْكَائِنَةُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الطَّالِبَةِ نَاصِبًا لَهَا وَجُمْلَةً تُضَافُ إلَيْهَا وَتِلْكَ الْجُمْلَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَالْعَامِلُ فِي إذَا هَذِهِ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ وَهُوَ عَامِلٌ لَا يَظْهَرُ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ إظْهَارِهِ بِقُوَّةِ مَا فِيهِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُك خَرَجْت فَإِذَا زَيْدٌ بِالْبَابِ إذْ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ خَرَجْت يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِالْفَاءِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَغَرَضُ الشَّيْخُ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ لِلْمُفَاجَأَةِ وَالْمُفَاجَأَةُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ بِوَجْهٍ. قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ الشَّرْطُ إذَا فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] . فَهُمْ مُبْتَدَأٌ وَيَقْنَطُونَ خَبَرُهُ وَإِذَا بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ فِي تَعْلِيقِهِ الْجُمْلَةَ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ أَنَّ إذَا الْمُفَاجَأَةِ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْقِيبِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فَإِنَّك إذَا قُلْت مَرَرْت بِهِ إذَا هُوَ عَبْدٌ مَعْنَاهُ مَرَرْت فَبِحَضْرَتِي هُوَ عَبْدٌ فَإِذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك فَبِحَضْرَتِي وَمُتَضَمَّنٍ لِمَعْنَى التَّعْقِيبِ الَّذِي هُوَ فِي الْفَاءِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] . فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ يَقْنَطُوا إذَا قِيلَ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقْنَطُوا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ وَإِذَا كَانَ إذَا مُسْتَعْمَلًا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي كَانَ مُفَسَّرًا أَيْ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>