للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مُسْتَعَارًا مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْوَقْتِ مِثْلُ مَتَى الْزَمْ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ الْوَقْتُ فَهَذَا أَوْلَى فَصَارَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَمْ يَتَقَدَّرْ بِالْمَجْلِسِ مِثْلَ مَتَى بِخِلَافِ إنْ وَلَا يَصِحُّ طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ إذَا قَدْ يَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ إنْ وَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَاحْتَجَّ الْفَرَّاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَإِنْ تُصِبْك خَصَاصَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي إذَا عَلَى التَّعَارُضِ أَعْنِي مَعْنَى الشَّرْطِ الْخَالِصِ وَمَعْنَى الْوَقْتِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِالشَّكِّ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي انْقِطَاعِ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الثُّبُوتِ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ

ــ

[كشف الأسرار]

مَعْلُومٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ وُجُودِهِ عَيْنًا فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا هُوَ مُتَرَدِّدُ الْوُجُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ. مُسْتَعَارًا أَيْ مَجَازًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْوَقْتُ. وَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ شَرْطًا وَعَدَمُ جَوَازِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ التَّنَافِي. وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ الْإِيقَاعِ وَكَمَا سَكَتَ وَجَدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَتَطْلُقُ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحُكْمِ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَمْ يَتَقَدَّرْ بِالْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ مَتَى فَلَوْ كَانَ إذَا لِلشَّرْطِ لَبَطَلَتْ الْمَشِيئَةُ إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً. قَدْ يَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ كَوْنَهُ اسْمًا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْوَقْتِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ مَعْنَى الْوَقْتِ عِنْدَهُمْ بِإِرَادَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَانَ حَرْفًا كَإِنْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ اسْمًا وَحَرْفًا كَعَنْ وَعَلَى وَالْكَافِ وَنَحْوِهَا وَاحْتَجَّ الْفَرَّاءُ وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ لِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ وَالشِّعْرُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ يُوصَى ابْنَهُ وَأَوَّلَهُ:

أَجَمِيلُ إنِّي كُنْتُ كَارِمَ قَوْمِهِ ... فَإِذَا دُعِيتُ إلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلْ

أُوصِيكَ يَا ابْنِي إنَّنِي لَكَ نَاصِحُ ... طَبِنٌ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرُ مُغَفَّلِ

اللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرِهِ ... وَإِذَا حَلَفْتَ مُمَارِيًا فَتَحَلَّلْ

وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

وَإِذَا تَجَاسَرَ عِنْدَ عَقْلِكَ مَرَّةً ... أَمْرَانِ فَاعْمِدْ لِلْأَعْسَفِ الْأَجْمَلِ

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

أَبُنَيَّ إنَّ أَبَاكَ كَارِبُ يَوْمِهِ

مِنْ كَرِبَ الشَّيْءُ إذَا دَنَا

أُوصِيك إيصَاءَ امْرِئٍ لَك نَاصِحِ ... طَبِنٍ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرِ مُعَقَّلِ

مِنْ عَقَلْتُ الْإِبِلَ أَيْ شَدَدْتُ عِقَالَهَا وَالطَّبِنُ الْحَاذِقُ يَقُولُ إنَّ أَبَاك قَرِيبُ يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ كَرِيمُ قَوْمِهِ فَاعْمَلْ بِنَصِيحَتِي فَإِنِّي بِصُرُوفِ الدَّهْرِ عَالَمٌ غَيْرُ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا. فَمِنْ نَصَائِحِي أَنْ تَعُدَّ نَفْسَك غَنِيًّا بِالْغِنَى وَتُظْهِرَ ذَلِكَ مَا أَغْنَاك اللَّهُ وَإِذَا أَصَابَتْك مَسْكَنَةٌ وَفَقْرٌ فَتَكَلَّفْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْفِعْلِ الْجَمِيلِ أَيْ اصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا مِنْ غَيْرِ جَزَعٍ وَشَكْوَى. أَوْ مَعْنَى تَجَمَّلْ أَظْهِرْ الْغِنَى مِنْ نَفْسِك بِالتَّجَمُّلِ وَالتَّزَيُّنِ كَيْ لَا يَقِفَ النَّاسُ عَلَى حَالِك. أَوْ مَعْنَاهُ كُلْ الْجَمِيلَ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ تَعَفُّفًا.

إنَّمَا مَعْنَاهُ إنْ تُصِبْك خَصَاصَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ لِأَنَّ إصَابَةَ الْخَصَاصَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَكَلِمَةُ إذَا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْوَقْتِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمْرِ الْكَائِنِ أَوْ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا نَحْوَ مَجِيءِ الْغَدِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ تَصِرْ كَلِمَةُ إذَا هَاهُنَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَبَقِيَ مَعْنَى الْوَقْتِ فِيهَا لَمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْأَمْرِ الْمُتَرَدِّدِ بِخِلَافِ مَتَى لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ لَا مَحَالَةَ فَاسْتِعْمَالُهَا لِلشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى مَتَى حَتَّى يَبْقَى الْوَقْتُ فِيهَا مُعْتَبَرًا أَوْ إنْ جُوزِيَ بِهَا كَمَا فِي مَتَى. قُلْنَا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ خَاصِّيَّتِهِ وَهِيَ الدُّخُولُ فِي الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ وَدُخُولَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى إنْ لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ النِّزَاعَ فِي سُقُوطِ مَعْنَى الْوَقْتِ عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ وَمَتَى تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ لَاسْتَقَامَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ غَيْرِ سُقُوطِ مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>