للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَصْلُ ذَلِكَ إلَّا وَمَسَائِلُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ الْبَيَانِ فَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ غَيْرُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ يُسْتَعْمَلُ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِثْنَاءً تَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِلدِّرْهَمِ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَلَوْ قَالَ غَيْرَ دَانِقٍ بِالنَّصْبِ كَانَ اسْتِثْنَاءً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ إلَّا دَانِقًا.

وَكَذَلِكَ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ غَيْرُ عَشْرَةٍ بِالرَّفْعِ لَزِمَهُ دِينَارٌ وَلَوْ نَصَبَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ دِينَارٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهُ وَمَا يَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُعَارَضَةِ نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْبَيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَسِوَى مِثْلُ غَيْرِ وَذَلِكَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي يَدِي دَرَاهِمُ إلَّا ثَلَاثَةً أَوْ غَيْرَ ثَلَاثَةٍ أَوْ سِوَى ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

ــ

[كشف الأسرار]

عُمُومٌ كَمَا يَكُونُ فِيمَا قَبْلُ إلَّا لِمَا فِيهِمَا مِنْ مَعْنَى النَّفْيِ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ لَيْسَ وَلَا دَخَلَتَا عَلَى مَا هُوَ مُثْبَتٌ فَصَيَّرَتَاهُ نَفْيًا. فَإِذَا قَالَ أَعْتَقْت عَبِيدِي لَيْسَ سَالِمًا أَوْ لَا يَكُونُ سَالِمًا لَا يُعْتَقُ سَالِمٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا سَالِمًا وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ سَالِمًا أَوْ لَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ سَالِمًا كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ إلَّا أَيْ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالْحَقِيقَةُ فِيهِ كَلِمَةُ إلَّا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَمَا عَدَاهَا قَدْ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً وَغَيْرَ اسْتِثْنَاءٍ. وَلِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِنَقْلِ الْكَلَامِ مِنْ مَعْنًى إلَى مَعْنًى فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ هُوَ الْحُرُوفُ لَا الْأَسْمَاءُ وَالْأَفْعَالُ كَحُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ وَحُرُوفِ النَّفْيِ وَحُرُوفِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي هَذَا الْبَابِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْ وَمِمَّا يُسْتَثْنَى بِهِ غَيْرُ. وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ لِلُحُوقِ عَلَامَاتِ الِاسْمِ بِهِ مِنْ التَّنْوِينِ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ. يُسْتَعْمَلُ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ بِحَيْثُ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَعَارِفِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ صِفَةً لِلَّذِينَ أَنْعَمَتْ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] . عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَمِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِثْنَاءً لِمُشَابِهَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَلِهَذِهِ الْمُشَابَهَةِ تَقَعُ إلَّا مَقَامَ غَيْرِ أَيْضًا قَلِيلًا وَتَسْتَحِقُّ إعْرَابَ الْمَتْبُوعِ مَعَ امْتِنَاعِهَا عَنْهُ فَيُعْطِي مَا بَعْدَهَا وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّاسُ كُلُّهُمْ مَوْتَى إلَّا الْعَالِمُونَ» . وَقَوْلُ الشَّاعِرُ:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيك إلَّا الْفَرْقَدَانِ

أَيْ غَيْرُهُمَا. وَلِهَذَا قَالُوا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا دِرْهَمَانِ بِالرَّفْعِ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ لِأَنَّ إلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ مِائَةٌ هِيَ غَيْرُ دِرْهَمَيْنِ. وَعِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْإِعْرَابَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الْإِعْرَابِ وَفَاسِدِهِ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ بِالنَّصْبِ.

وَلَمَّا اُسْتُعْمِلَ اسْتِثْنَاءً وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إعْرَابٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ جُعِلَ إعْرَابُهُ كَإِعْرَابِ الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إلَّا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِفَةً وَاسْتِثْنَاءً أَنَّهُ لَوْ قَالَ جَاءَنِي رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ زَيْدًا جَاءَ وَلَمْ يَجِئْ بَلْ كَانَ خَبَرًا أَنَّ غَيْرَهُ جَاءَ وَلَوْ قَالَ جَاءَنِي الْقَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ كَانَ اللَّفْظُ دَالًّا أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَجِئْ.

وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ صِفَةً يَخْتَصُّ بِالنَّكِرَةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَاسْتِعْمَالُهُ اسْتِثْنَاءً لَا يَخْتَصُّ بِالنَّكِرَةِ. وَقَدْ يَقَعُ بِمَعْنَى لَا أَيْضًا فَيَنْتَصِبُ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] . أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ جَائِعًا لَا بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا. وَكَذَا {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: ٥٣] {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: ١] . لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرَ دَانِقٍ أَيْ دِرْهَمٌ مُغَايِرٌ لِلدَّانَقِ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ دَانِقٍ فَأَكَّدَ الْمُقِرُّ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيَّ لَيْسَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ وَإِنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ مُطْلَقٌ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَهُوَ الَّذِي وَزْنُهُ وَزْنُ سَبْعَةٍ. وَالدَّانِقُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قِيرَاطَانِ وَالْجَمْعُ دَوَانِقُ وَدَوَانِيقُ. وَمَا يَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي جَعَلَ مُحَمَّدٌ اسْتِثْنَاءَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الثَّوْبِ مِنْهَا.

وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَارَضَةِ وَالْبَيَانِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيَانَ هَذَا الْفَصْلِ يَأْتِي فِي بَابِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ (وَسِوَى) (مِثْلُ غَيْرٍ) يَعْنِي فِي أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ كُلُّ مَوْضِعٍ جَازَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا جَازَ بِسِوَى وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً إذَا وَقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>