بِخِلَافِ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِصُورَةِ الِاسْمِ لَا بِمَعْنَاهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى مَطْلُوبًا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِعَارَةُ لِتَصْحِيحِ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِأَجْرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي نِدَاؤُهُ وَخَبَرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّحْرِيرِ فَصَارَ عَيْنُهُ قَائِمًا مَقَامَ مَعْنَاهُ فَصَارَ الْمَعْنَى مَطْلُوبًا بِكُلِّ حَالٍ.
ــ
[كشف الأسرار]
السَّيِّدِ وَالْإِقْرَارُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ دَلِيلُ الْكَذِبِ يَبْطُلُ كَالْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ فَإِذَا كَانَ كَذِبًا بِيَقِينٍ أَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ قُلْنَا هَذَا مَجَازٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ حِينِ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالْكُرْهِ وَالْهَزْلِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَقَوْلُهُ إنَّهُ كَذِبٌ بِيَقِينٍ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ قُلْنَا الِاسْتِحَالَةُ فِي الْبُنُوَّةِ لَا فِي الْحُرِّيَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ مُحَالًا وَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ الْإِعْتَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْإِقْرَارُ قُلْنَا لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَبْدُهُ فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ سَبَقَ مِنْهُ إعْتَاقٌ يَعْتِقُ الْعَبْدُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إعْتَاقٌ لَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا هُنَا.
قَوْلُهُ (بِخِلَافِ النِّدَاءِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا ابْنِي لَا يَعْتِقُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى مَا ذَكَرْت يَلْزَمُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَا حُرُّ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ كَمَا جَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فَقَالَ لَا يَلْزَمُ هَذَا؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِصُورَةِ الِاسْمِ لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الِاسْمِ فِي الْمُنَادَى أَلَا تَرَى أَنَّك تُنَادِي رَجُلًا فَتَقُولُ يَا حَسَنُ وَيَكُونُ قَبِيحًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لِتَحْقِيقِ الْمَعْنَى فِي الْمُنَادَى لَمْ نَشْتَغِلْ بِتَصْحِيحِهِ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِهِ اللُّغَوِيِّ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ فَأَمَّا الْخَبَرُ فَقَدْ وُضِعَ لِتَحْقِيقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِإِثْبَاتِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ إنْ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا حُرُّ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ يَعْتِقُ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ فَاسْتَوَى النِّدَاءُ وَالْخَبَرُ وَعَلَى مَا ذَكَرْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ فِي النِّدَاءِ فَقَالَ إنَّمَا اسْتَوَى النِّدَاءُ وَالْخَبَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّحْرِيرِ وَعَلَمٌ لِإِسْقَاطِ الرِّقِّ بِهِ فَكَأَنَّ عَيْنَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ مَعْنَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَبِّحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَبْدِي حُرٌّ يَعْتِقُ فَكَانَ الْمَعْنَى مَطْلُوبًا مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ فَلِهَذَا يَعْتِقُ فِي الْحَالَيْنِ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ جُعِلَ اسْمُ عَبْدِهِ حُرٌّ أَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ النَّاسِ ثُمَّ نَادَاهُ بِهِ فَقَالَ يَا حُرُّ لَمْ يَعْتِقْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمُ مَعْرُوفًا لَهُ يَعْتِقُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إيجَابَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنِي فَإِنَّهُ نِدَاءٌ بِوَصْفٍ لَا يَمْلِكُ إيجَابَهُ فَيُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِ فِيهِ وَهُوَ الْإِكْرَامُ دُونَ التَّحْقِيقِ فَصَارَ الضَّابِطُ أَنَّ النِّدَاءَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِوَصْفِهِ الْقَائِمِ بِهِ إنْ كَانَ ثَابِتًا كَقَوْلِهِ يَا طَوِيلُ يَا أَسْوَدُ وَهُوَ طَوِيلٌ أَوْ أَسْوَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِهِ فَإِنْ كَانَ وَصْفًا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى يَثْبُتُ اقْتِضَاءً كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ اسْتِحْضَارًا لِلْمُنَادَى بِصُورَةِ الِاسْمِ كَقَوْلِهِ يَا طَوِيلُ وَهُوَ قَصِيرٌ وَقَوْلِهِ يَا ابْنِي الْأَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ أَوْ الْأَصْغَرَ مِنْهُ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ أَصْلًا فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِجَعْلِهِ عِبَارَةً عَنْ لَازِمِ حَقِيقَتِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ فَيَلْغُو ضَرُورَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا أَخِي فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ لِلْأُخُوَّةِ فِي مِلْكِهِ مُوجِبًا وَهُوَ الْعِتْقُ فَيُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ مُوجِبِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute