وَهُوَ كَالنَّذْرِ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى تَسْمِيَةً لَا فِعْلًا ثُمَّ وَجَبَ لِصِيَانَتِهِ ابْتِدَاءً الْفِعْلُ فَلَأَنْ يَجِبَ لِصِيَانَةِ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ بَقَاؤُهُ أَوْلَى وَالسُّنَنُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْجُزْءِ الْمُتَعَقِّبِ شَرْطًا لِبَقَاءِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى وَصْفِ الْعِبَادَةِ.، وَأَمَّا فِي اعْتِرَاضِ الْمَوْتِ فَجُعِلَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّ الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْقَدْرُ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً إلَّا هَذَا الْقَدْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هَكَذَا جَعَلَ فِي فَضْلِ الْمُهَاجِرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ تَأَيُّدِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ وَالتَّقَوِّي عَلَى الذَّبِّ عَنْ الْجُوَرَةِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ لَا مُبْطِلَ عَلَى مَا عُرِفَ.
وَقَوْلُهُمْ انْعَقَدَ عِبَادَةً بِدُونِ الْبَاقِي فَبَقِيَ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ يُنْتَقَضُ بِقَبْضِ بَدَلَيْ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ. وَقَوْلُهُمْ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَدَاءِ الْبَاقِي لَيْسَ بِإِبْطَالٍ قُلْنَا لَمَّا أَتَى بِمَا يُنَاقِضُ الْعِبَادَةَ فَسَدَتْ الْأَجْزَاءُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَمْ يُوجَدْ سِوَى فِعْلِهِ وَوَجْهُ الْفَسَادِ لَا مَحَالَةَ عِنْدَ هَذَا الْفِعْلِ فَجُعِلَ مُفْسِدًا؛ لِأَنَّ الْإِفْسَادَ فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ الْفَسَادُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُضَافَ الْمَحَلُّ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْفَسَادُ كَمَنْ قَطَعَ حَبْلًا مَمْلُوكًا عَلَّقَ بِهِ قِنْدِيلَ غَيْرِهِ فَسَقَطَ الْقِنْدِيلُ وَانْكَسَرَ جُعِلَ مُتْلِفًا لَهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ فِعْلُهُ الْقِنْدِيلَ. وَكَذَا شَقُّ زِقِّ نَفْسِهِ فِيهِ مَائِعٌ لِغَيْرِهِ.
وَمَسْأَلَتُنَا إحْرَاقُ الْحَصَائِدِ وَسَقْيُ الْأَرْضِ لَا تَلْزَمَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى فِعْلِهِ بَلْ إلَى رَخَاوَةِ الْأَرْضِ، وَهُبُوبِ الرِّيحِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنْ فِعْلِهِ عَنْ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْفَسَادُ لَا مَحَالَةَ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ أَوْ كَانَ الْإِحْرَاقُ فِي يَوْمِ رِيحٍ لَأُضِيفَ إلَيْهِ فَيَضْمَنُ مَا فَسَدَ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ. وَأَمَّا مُصَلِّي الظُّهْرِ إذَا رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فَنَقُولُ هُوَ مُبْطِلٌ لِصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ وَنَقَضَ لِيُؤَدِّيَ أَحْسَنَ مِنْهُ وَالْهَادِمُ لِيَبْنِيَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ لَا يُعَدُّ هَادِمًا كَهَادِمِ الْمَسْجِدِ لِيَبْنِيَ أَحْسَنَ مِنْهُ لَا يُعَدُّ سَاعِيًا فِي خَرَابِهِ. وَصَارَ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ مَا أَدَّى يُوجِبُ عَلَيْهِ حِفْظَ الْمُؤَدَّى، وَطَرِيقُ حِفْظِهِ أَدَاءُ الْبَاقِي فَصَارَ الشُّرُوعُ مُوجِبَ أَدَاءِ الْبَاقِي بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَكُلُّ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ يَجِبُ أَدَاؤُهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ إذَا فَسَدَ قَوْلُهُ (وَهُوَ كَالنَّذْرِ) . ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالنَّذْرِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَقَالَ، وَهُوَ أَيْ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى بِمَنْزِلَةِ الْمَنْذُورِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى. أَمَّا الْمُؤَدَّى فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى مُسَلَّمًا إلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَنْذُورُ فَلِأَنَّهُ جُعِلَ لِلَّهِ تَعَالَى تَسْمِيَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلًا أَقْوَى مِمَّا صَارَ لَهُ تَسْمِيَةً؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَعْدِ، وَأَنَّ إيجَابَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ أَقْوَى مِنْ إيجَابِ بَقَائِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ ثُمَّ وَجَبَ لِصِيَانَةِ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ مَا هُوَ أَقْوَى الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فَلَأَنْ يَجِبَ لِصِيَانَةِ مَا هُوَ أَقْوَى الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ إيفَاءُ الْفِعْلِ، وَإِتْمَامُهُ كَانَ أَوْلَى. وَمَا ذَكَرَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّذْرَ وَالشُّرُوعَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَاضِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالنَّذْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْتَزَمَ فَالشُّرُوعُ لَيْسَ كَالْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ أَوْ التَّصَدُّقَ تَبَرُّعٌ بِالْعَيْنِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعُ حَاجَةِ الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ الْفَقِيرِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ نَظِيرَ الصَّلَاةِ فِي النِّيَّةِ وَالتَّطَهُّرِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. فَأَمَّا الْمَقْصُودُ فِي الْبَدَنِيَّاتِ فَعَمَلٌ يُسْتَوْفَى وَقَدْ حَصَلَ الْبَعْضُ مِنْهُ فَكَانَ كَبَعْضِ الْمَالِ الْمُسْلَمِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الْمُسْتَقْرِضِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مُسْلَمًا إلَيْهِ ثُمَّ إذَا تَصَدَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute