للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمْ يَدَعْ إلَّا الْحُكْمَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ فَمَا دَامَ يَسْعَى فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا وَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ عَلَّلَ بِوَصْفٍ مَمْنُوعٍ فَقَالَ فِي الصَّبِيِّ الْمُودَعِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ فَلَمَّا أَنْكَرَهُ الْخَصْمُ احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِهِ وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى حُكْمًا بِوَصْفٍ فَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ انْقِطَاعًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ إثْبَاتُ مَا ادَّعَاهُ وَالتَّسْلِيمُ يُحَقِّقُهُ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَإِذَا أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ كَانَ ذَلِكَ آيَةَ كَمَالِ الْفِقْهِ وَصِحَّةِ الْوَصْفِ مِثْلُ قَوْلِنَا إنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا يَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُجِيبُ عَلَى الْعِلَّةِ وَادَّعَى النِّزَاعَ فِي حُكْمٍ آخَرَ لَمْ يَتِمَّ مَرَامُ الْمُجِيبِ فَيَنْتَقِلُ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ بِعِلَّةٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَالرَّابِعُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَالْمُنَاقَضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُمَا بِبَيَانِ الْمُلَاءَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَّعَ أَيْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَيْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِانْتِفَالِ مِثْلُ مَنْ عَلَّلَ بِوَصْفٍ مَمْنُوعٍ أَيْ غَيْرِ مُسَلَّمٍ عِنْدَ السَّائِلِ فَقَالَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ الصَّبِيِّ الْمُودَعِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ فَلَمَّا أَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ اسْتِهْلَاكًا احْتَاجَ الْمُجِيبُ إلَى إثْبَاتِهِ وَهَذَا أَيْ إثْبَاتُ مَا ادَّعَاهُ حُجَّةً بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إعْرَاضٍ عَنْ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَاشْتِغَالٍ بِعِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ بَابِ الْفِقْهِ فَيَكُونُ حَسَنًا مُسْتَقِيمًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا اشْتَغَلَ بِإِثْبَاتِ الْأَصْلِ الثَّانِي تَفَرَّعَ مِنْهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْخِلَافُ بِإِثْبَاتِ الْأَصْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ صَحِيحٌ نَحْوُ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا قَالَ الْمُعَلِّلُ: هَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْأَصْلِ حَتَّى يُثْبِتَ الْفَرْعَ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ يَكُونُ مُسْتَقِيمًا.

وَكَذَا إذَا عُلِّلَ بِقِيَاسٍ فَقَالَ خَصْمُهُ: الْقِيَاسُ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَاشْتَغَلَ لِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ فَيَقُولُ خَصْمُهُ: قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَاشْتَغَلَ بِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَقُولُ خَصْمُهُ: خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَيُحْتَجُّ بِالْكِتَابِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا وَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ سَعْيًا فِي إثْبَاتِ مَا رَامَ إثْبَاتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْقِسْمُ الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِانْقِطَاعٍ كَانَ ذَلِكَ آيَةَ كَمَالِ الْفِقْهِ أَيْ فِي الْمُجِيبِ حَيْثُ عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَصِحَّةُ الْوَصْفِ فِي نَفْسِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ إجْرَاؤُهُ فِي الْفُرُوعِ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ عِنْدَ التَّرَاضِي وَعِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ الْمُدَبَّرِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ فَلَا يَمْنَعُ صَرْفَ الرَّقَبَةِ إلَى الْكَفَّارَةِ كَالْإِجَازَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْعَبْدَ أَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَار لِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْبَيْعَ تَصَرُّفٌ لَا يُخْرِجُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ لِاحْتِمَالِهِ الْفَسْخَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بِإِقَالَةٍ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ شِرَاءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ: أَنَا أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَعِنْدِي لَا يَمْنَعُ هَذَا الْعَقْدَ عَنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَكِنَّ الْمَانِعَ نُقْصَانُ تَمَكُّنٍ فِي الرِّقِّ بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ لِلْعَبْدِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ كَعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ.

قِيلَ لَهُ: وَجَبَ هَذِهِ الْعِلَّةُ أَنْ لَا يُوجِبَ هَذَا الْعَقْدَ نُقْصَانًا مَانِعًا مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الرِّقِّ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَحْتَمِلُهُ ثُبُوتُهَا مِنْ وَجْهٍ فَهَذَا إثْبَاتُ الْحُكْمِ الثَّانِي بِالْعِلَّةِ الْأُولَى أَيْضًا قَوْلُهُ (أَوْ لَا يَتَضَمَّنُ مَا يَمْنَعُ) الْخَصْمَ يَقُولُ: عَقْدُ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ لِلْعِتْقِ فَوْقَ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَلِهَذَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمَوْلَى التَّصَرُّفَاتُ فِيهِ، ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقَالَ تَمَكَّنَ بِهَذَا السَّبَبِ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ أَوْ يُقَالُ صَارَ هُوَ كَالزَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>