للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالَ: عِنْدِي لَا يَمْنَعُ هَذَا الْعَقْدَ قِيلَ لَهُ: وَجَبَ أَنْ لَا يُوجِبَ فِي الرِّقِّ نَقْصًا مَانِعًا مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ أَوْ لَا يَتَضَمَّنُ مَا يَمْنَعُ وَإِذَا عَلَّلَ بِوَصْفٍ آخَرَ لِحُكْمٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ادَّعَاهُ صَارَ مُسَلَّمًا فَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ فِي مُحَاجَّةِ اللَّعِينِ فَإِنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ كَمَا قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: ٢٥٨] وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ انْقِطَاعًا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ شُرِعَ لِبَيَانِ الْحَقِّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاهِيًا لَمْ يَقَعْ بِهِ الْإِبَانَةُ كَمَا إذَا لَزِمَهُ النَّقْضُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ بِوَصْفٍ زَائِدٍ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ التَّعْلِيلُ الْمُبْتَدَأُ أَوْلَى

ــ

[كشف الأسرار]

وَهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ تَضَمَّنَ قِيمَتَهُ وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ تَضَمَّنَ الْعُقْرَ وَثُبُوتُ حُكْمِ الزَّوَالِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ كَافٍ لِلْمَنْعِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِهِ أَوْ يُقَالُ هُوَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَفَائِتِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ كَالرَّقَبَةِ الْعَمْيَاءِ كَذَا فِي ظِهَارِ الْمَبْسُوطِ فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَجَبَ أَنْ لَا تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ رَدَّ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

وَبِقَوْلِهِ أَوْ لَا يَتَضَمَّنُ مَا يَمْنَعُ رَدَّ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ يَعْنِي لَوْ قَالَ: إنَّا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ، وَلَكِنَّهُ تَضَمَّنَ مَعْنًى يَمْنَعُ الصَّرْفَ وَهُوَ صَيْرُورِيَّةُ كَالزَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَفَائِتِ الْمَنْفَعَةِ نَقُولُ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْعَقْدُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ مَعْنًى يَمْنَعُهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْكَفَّارَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ زَوَالًا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الزَّوَالِ وَهَذَا لَوْ مَاتَ مِنْ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ وَبِالْإِجَارَةِ فَاتَتْ الْمَنَافِعُ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ إنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ عَنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَكَذَا الْكِتَابَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَضَمَّنَ هَذَا الْعَقْدَ مَا يَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْخَصْمِ تَضَمُّنَهُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ فَنَقُولُ: إنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ الْفَسْخَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لَا يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِي رِقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَلِكَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَمْنَعُ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى لَا تَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى بِحَالٍ وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالتَّدْبِيرِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّدْبِيرُ الْفَسْخَ وَإِذَا عُلِّلَ بِوَصْفٍ آخَرَ لِحُكْمٍ آخَرَ يَعْنِي إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَانْتَقَلَ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ خَصْمَهُ يُنَازِعُهُ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ صَارَ مُسْلِمًا فَإِذَا احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَا يُعَدَّ ذَلِكَ انْقِطَاعًا.

وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ نَقُولَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْخَصْمُ إنَّ هَذَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ هَذِهِ رَقَبَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ صَرْفُهَا إلَى الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِانْتِقَالِ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَحُكْمٍ آخَرَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفْ الْمُعَلِّلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ تَعْلِيلِهِ.

قَوْلُهُ (أَمَّا الرَّابِعُ) وَهُوَ الِانْتِقَالُ عَنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَصَحِيحٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه حِينَ حَاجَّ اللَّعِينَ وَهُوَ نُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ وَكَانَ يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ بِقَوْلِهِ {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] وَعَارَضَهُ اللَّعِينُ بِقَوْلِهِ {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] انْتَقَلَ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨] وَكَانَ هَذَا مِنْهُ انْتِقَالًا إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي رَامَ بِالْحُجَّةِ الْأُولَى هُوَ بَيَانُ أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ لَهُ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَعُورِضَ بِجُرْحٍ فِيهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِانْتِقَالِ يُعَدُّ انْقِطَاعًا؛ لِأَنَّ الْمُنَاظَرَةَ شُرِعَتْ لِإِبَانَةِ الْحَقِّ فَإِنَّ تَفْسِيرَ الْمُنَاظَرَةِ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي النِّسْبَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ.

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>