للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَلَامَةُ اللَّازِمَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَمِنْهُ الشُّرُوطُ لِلصُّكُوكِ وَمِنْهُ الشُّرْطِيُّ وَمِنْهُ شَرْطُ الْحَجَّامِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ دُونَ الْوُجُوبِ فَمِنْ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَامَةٌ وَمِنْ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ يُشْبِهُ الْعِلَلَ فَسُمِّيَ شَرْطًا.

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِثْبَاتُ الْفَضْلِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النساء: ٨٣] وَيُسْتَفَادُ بِالثَّانِي مَعْرِفَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مَحْمُودِيَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: ٦٢] فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ أَسْبَابًا لِلثَّوَابِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِذَوَاتِهَا فَكَذَلِكَ حَالُ الْعِلَلِ أَيْ فَكَالْأَفْعَالِ الْعِلَلُ فَلَا يَكُونُ مُوجِبَةً بِذَوَاتِهَا كَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ وَلَا تَكُونُ مُهْدَرَةً كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ بَلْ تَكُونُ مُوجِبَةً بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ لَوْ جَعَلْنَا الْعِلَلَ مُوجِبَةً بِذَوَاتِهَا يُؤَدِّي إلَى الشَّرِكَةِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ إعْلَامًا مَحْضَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ تَخْرُجُ حِينَئِذٍ عَنْ الْبَيْنِ فَيَصِيرُ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا جَبْرِيَّةً بِدُونِ أَسْبَابٍ وَالْقِصَاصُ شُرِعَ جَزَاءً عَلَى الْفِعْلِ وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ فَإِذَا جَعَلْنَا الْأَسْبَابَ إعْلَامًا لَا يَكُونُ الْعُقُوبَاتُ أَجْزِيَةً فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ الْعَدْلَ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ مُعْتَبَرَةٌ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فَقَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ إذَا رَجَعَ نُسِبَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا إذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ عَتَقَ عَبْدَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَضَمِنَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمَهْرِ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ وَقِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا عِلَّةَ التَّلَفِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا فَإِذَا أُضِيفَ التَّلَفُ إلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ فَأَوْلَى أَنْ يُضَافَ إلَى حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ (الشَّرْطُ الْعَلَامَةُ اللَّازِمَةُ) فَكَأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا ذُكِرَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَامَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَمِنْهُ أَيْ وَمِنْ مَعْنَى الْعَلَامَةِ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا اللَّازِمَةُ جَمْعُ شَرَطٍ بِالتَّحْرِيكِ وَجَمْعُ الشَّرْطِ بِالسُّكُونِ الشُّرُوطُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَمِنْهُ الشُّرُوطُ لِلصُّكُوكِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالتَّوَثُّقِ لَازِمَةٌ. وَالشُّرْطَةُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَالْجَمْعُ شُرَطٌ وَالشَّرْطِيُّ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ مَنْسُوبٌ إلَى الشُّرْطَةِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ لَا إلَى الشُّرَطِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَصَبَ نَفْسَهُ عَلَى زِيٍّ وَهَيْئَةٍ لَا يُفَارِقُهُ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ فَكَأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ وَمِنْهُ شُرَطُ الْحَجَّامِ هُوَ مَصْدَرُ شَرَطَ الْحَاجِمُ يَشْرِطُ وَيَشْرُطُ إذَا بَزَغَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ فِعْلُهُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ بِفِعْلِهِ يَحْصُلُ فِي الْمَحَاجِمِ عَلَامَةٌ لَازِمَةٌ وَالْمِشْرَطُ الْمِبْضَعُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ دُونَ الْوُجُوبِ أَيْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِوُجُودِهِ كَالدُّخُولِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الدُّخُولِ وَيَصِيرُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الدُّخُولِ مُضَافًا إلَى الدُّخُولِ مَوْجُودًا عِنْدَهُ لَا وَاجِبًا بِهِ بَلْ الْوُقُوعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ الدُّخُولِ.

فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِلدُّخُولِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ بِهِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ سَبَبًا وَلَا عِلَّةً بَلْ كَانَ عَلَامَةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ كَانَ الدُّخُولُ شَبِيهًا بِالْعِلَلِ وَكَانَ بَيْنَ الْعَلَامَةِ وَالْعِلَّةِ فَسَمَّيْنَاهُ شَرْطًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ إذَا رَجَعُوا قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ هُوَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَقِفُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى وُجُودِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّصَرُّفِ، ثُمَّ قَالَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَقِفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ الْعِلَّةُ وَوَصْفُ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ فَالْعِلَّةُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَنْهَا وَلَهَا تَأْثِيرٌ تَامٌّ. وَوَصْفُ الْعِلَّةِ لَهُ نَوْعُ تَأْثِيرٍ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ بَلْ يَتِمُّ بِانْضِمَامِ وَصْفٍ آخَرَ أَوْ أَوْصَافٍ إلَيْهِ وَالسَّبَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>