للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاقْتَضَى مُلْصَقًا بِهِ لُغَةً وَهُوَ الْخُرُوجُ فَصَارَ الْخُرُوجُ الْمُصْلَقُ بِالْإِذْنِ الْمَوْصُوفِ بِهِ مُسْتَثْنًى فَصَارَ عَامًّا فَأَمَّا قَوْلُهُ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَإِنَّهُ جُعِلَ مُسْتَثْنَى بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ جِنْسِهِ فَجُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْغَايَةِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُنَاسِبُ الْغَايَةَ.

ــ

[كشف الأسرار]

فَصَارَ عَامًّا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ خُرُوجًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْإِذْنِ فَبَقِيَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخُرُوجِ دَاخِلًا فِي الْحَظْرِ فَإِذَا فَعَلَتْ وَجَبَ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ بِمُلَاءَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَتَى خَرَجَتْ بِقِنَاعٍ أَوْ بِمُلَاءَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَسْقُطْ الْخَطَرُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَوْ مُلَاءَةٍ طَلُقَتْ فَكَذَا هَذَا قَوْلُهُ (فَاقْتَضَى مُلْصَقًا بِهِ) أَيْ شَيْئًا يَلْتَصِقُ بِالْإِذْنِ إذْ لَا بُدَّ لِلْجَارِ وَالْمَجْرُورِ مِنْ مُتَعَلِّقٍ.

وَهُوَ أَيْ الشَّيْءُ الْمُلْصِقُ بِالْإِذْنِ هُوَ الْخُرُوجُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. فَصَارَ عَامًا أَيْ صَارَ الْخُرُوجُ الْمَوْصُوفُ الْمُسْتَثْنَى عَامًّا حَتَّى تَنَاوَلَ كُلَّ خَرْجَةٍ وُصِفَتْ بِالْإِذْنِ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ لِعُمُومِ صِفَتِهِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي قَوْلِهِ لَا أَتَزَوَّجُ إلَّا امْرَأَةً كُوفِيَّةً. وَذَلِكَ أَيْ جَعْلُهُ مُسْتَثْنًى بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ. لِأَنَّهُ أَيْ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ الْإِذْنُ خِلَافُ جِنْسِهِ أَيْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إظْهَارُ الْخُرُوجِ هَاهُنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي وَلَوْ قَالَ إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك كَانَ كَلَامًا مُخْتَلًّا. قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَتَّى عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ أَذِنَ فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْفَرَّاءُ بَلْ يَحْنَثُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٥٣] . وَقَدْ كَانَ تَكْرَارُ الْإِذْنِ شَرْطًا. وَلِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ وَلَا اتِّصَالَ لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِصِلَةٍ فَوَجَبَ تَقْدِيرُ الصِّلَةِ فِيهِ وَهِيَ الْبَاءُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي.

قَالَ وَفِيمَا قُلْنَا تَحْقِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَالْغَايَةُ مَجَازٌ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] . وَ {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] . وَمَعْنَاهُ الْغَايَةُ. وَلِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا بَطَلَتْ حَقِيقَتُهُ تَعَيَّنَ مَجَازُهُ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَعَذِّرَةٌ هَاهُنَا لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ فَيَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا لِلْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَعُمِلَ بِمَجَازِهِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةً لِأَنَّ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ يُنَاسِبُ الْغَايَةَ مِنْ حَيْثُ أَنَّ حُكْمَ مَا وَرَاءَ الْغَايَةِ عَلَى خِلَافِ الْمُغَيَّا كَمَا أَنَّ حُكْمَ مَا وَرَاءَ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى خِلَافِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً كَانَ الْحُكْمُ فِيمَا وَرَاءَ تِسْعِمِائَةٍ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي تِسْعِمِائَةٍ فَيُجْعَلُ غَايَةً بِمَنْزِلَةِ حَتَّى وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّ حَرْفَ الْإِلْصَاقِ يَقْتَضِي مُلْصِقًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَحَذْفُهُ سَائِغٌ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَرْفُ الْإِلْصَاقِ كَمَا فِي بِسْمِ اللَّهِ أَيْ بَدَأْت أَوْ أَبْدَأُ بِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا صَحَّ الْحَذْفُ لِقِيَامِ الْبَاءِ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ هُوَ الْخُرُوجُ الَّذِي بِهِ تَحْقِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ ذِكْرُ الْبَاءِ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَتْ حَقِيقَتُهُ فَتَعَيَّنَ مَجَازُهُ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٥٣] . لِأَنَّ التَّكْرَارَ ثَمَّةَ مَا جَاءَ مِنْ لَفْظٍ إلَّا أَنْ لِأَنَّهُ لَوْ ذُكِرَ بِحَرْفِ حَتَّى كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا أَيْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: ٢٧] . بَلْ التَّكْرَارُ عُرِفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى. {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: ٥٣] . فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ آذَنَ إلَّا بِإِذْنِي صَحَّتْ نِيَّتُهُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الِالْتِصَاقِ سَائِغٌ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ فَيُصَدَّقُ. وَإِنْ نَوَى فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي الْإِذْنَ مَرَّةً صَحَّتْ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُفِيدُ مَا يُفِيدُ الْغَايَةُ وَهُوَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ فِي الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>