للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَحْنَثُ وَقِيلَ بَلْ الْحَقِيقَةُ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ فَيَحْنَثُ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فُلَانَةَ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنْ زَنَى بِهَا لَمْ يَحْنَثْ فَأَسْقَطُوا حَقِيقَتَهُ وَأَمَّا الْمَهْجُورَةُ فَمِثْلُ مَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ وَالْمَجَازُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَهُوَ الدُّخُولُ فَحَنِثَ كَيْفَ دَخَلَ وَمِثَالُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ صُرِفَ إلَى جَوَابِ الْخَصْمِ مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا مِثْلُ الْمَهْجُورِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ هَذَا الصَّبِيُّ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِصِبَاهُ؛ لِأَنَّ هِجْرَانَ الصَّبِيِّ مَهْجُورٌ شَرْعًا

ــ

[كشف الأسرار]

قَوْلُهُ (حَلَفَ أَنْ لَا يَنْكِحَ) إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَكَذَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْوَطْءِ لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ لِلْوَطْءِ حَقِيقَةٌ وَلِلْعَقْدِ مَجَازٌ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ أَبَانَ الْمَنْكُوحَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا وَعَقْلًا فَإِنْ زَنَى بِهَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا فَكَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْجُورَ عَادَةً كَالْمَهْجُورِ شَرْعًا.

قَوْلُهُ (التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) إلَى آخِرِهِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا فَأَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ الْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاجَرَةُ وَالْإِقْرَارُ مُسَالَمَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَكَانَ ضِدَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَالتَّوْكِيلُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَجَعَلْنَا كَلَامَهُ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبُ الْجَوَابِ أَوْ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ بَعْضُ الْجَوَابِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ الْإِنْكَارُ وَالْإِقْرَارُ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ شَرْعًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يُتَيَقَّنُ بِهِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلْمُوَكِّلِ الْجَوَابُ لَا الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ شَرْعًا وَتَوْكِيلُهُ بِمَا لَا يَمْلِكُ لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَالدِّيَانَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ قَصْدِ ذَلِكَ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلِهَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفَهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَمْلِكُ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لَهُ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا الْوَكِيلُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُسَمَّى خُصُومَةً مَجَازًا إذَا حَصَلَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَتَّبَ عَلَى خُصُومَةِ الْآخَرِ إيَّاهُ يُسَمَّى بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَالْمُجَازَاةُ لَا يَكُونُ سَيِّئَةً وَلِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ مَجْلِسُ الْخُصُومَةِ فَمَا يَجْرِي فِيهِ يُسَمَّى خُصُومَةً مَجَازًا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.

وَإِلَى قَوْلِهِمَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ صُرِفَ إلَى جَوَابِ الْخَصْمِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ (لَمْ يَتَقَيَّدْ بِزَمَانِ صِبَاهُ) إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ صِبَاهُ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَا كَبِرَ يَحْنَثُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى شَيْءٍ بِوَصْفٍ فَإِنْ صَلَحَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ يَتَقَيَّدُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِلْغَاءِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ هَذَا الرُّطَبَ يَتَقَيَّدُ بِالْوَصْفِ حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ لَنْ يَضُرَّهُ أَكْلُ الرُّطَبِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُنَكَّرًا يَتَقَيَّدُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ إذْ ذَاكَ يَصِيرُ مَقْصُودًا بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ تُرِك اعْتِبَارُهُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ ضَرُورَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ جَمْلٍ فَأَكَلَ لَحْمَ كَبْشٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>