للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَخْرُجُ قَوْلُهُمْ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ - وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ -: هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَمَلًا بِحَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَالنَّسَبُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ زَيْدٍ وَيَشْتَهِرُ مِنْ عَمْرٍو فَيَكُونُ الْمُقِرُّ مُصَدَّقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدَّعْوَى وَالْعَتَاقِ أَنَّ الْأُمَّ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِشَارَةِ لَا يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِالْوَصْفِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لِلتَّقْيِيدِ أَوْ التَّعْرِيفِ وَلَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْحَمَلِ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ يَكُونُ أَشَدَّ امْتِنَاعًا مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْكَبْشِ وَلَا لِلتَّعْرِيفِ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِمُعَرِّفٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إذْ هِيَ فَوْقَ الْوَصْفِ فِي التَّعْرِيفِ لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَنْ الذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَيَوَانِ.

وَإِذَا عَرَفْت هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ بِوَصْفِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْحَلِفِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَ الصِّبْيَانِ لِسَفَاهَتِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ وَسُوءِ آدَابِهِمْ كَوَصْفِ الرُّطُوبَةِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ صَبِيًّا إلَّا أَنَّ هِجْرَانَ الصَّبِيِّ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَهُ حَرَامٌ مَهْجُورٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي تَرْكِ الْكَلَامِ تَرْكُ التَّرَحُّمِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْجُورِ عَادَةً فَيَتْرُكُ الْحَقِيقَةَ وَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الذَّاتَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْم الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ فَإِذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الصِّفَةِ يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الذَّاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ صَبِيًّا حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالصِّبَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا مَهْجُورًا شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْحَلِفِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا أَوْ لَيَسْرِقَنَّ اللَّيْلَةَ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِصَيْرُورَةِ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ مَقْصُودَيْنِ بِالْيَمِينِ فَيَحْنَثُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ كَذَا هُنَا.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ الْجُمْلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُعْمَلَ فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا بِالْمَجَازِ يُخَرَّجُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ إثْبَاتَ الْعِتْقِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّ اللَّفْظَ صَارَ مَجَازًا لِلتَّحْرِيرِ.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ فَإِنَّ النَّسَبَ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ زَيْدٍ بِأَنْ كَانَ الْفِرَاشُ لَهُ فِي الْبَاطِنِ بِأَنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ حَقِيقَةً وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ لِعَارِضٍ وَيَشْتَهِرُ مِنْ عَمْرٍو لِوُجُودِ ظَاهِرِ الدَّلِيلِ فَلَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَكِنْ يُصَدَّقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْهُ فَيَثْبُتُ أَحْكَامُ النَّسَبِ فِي حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَارَ مَجَازًا لَمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَلْ إنَّمَا يَعْتِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ وَمِنْ الثَّانِي النِّصْفُ وَكُلُّ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَمَا عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا الثُّلُثُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمْ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَمَا كَانَ الْعِتْقُ مِنْهُمْ عَلَى الِاخْتِلَافِ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ بِاحْتِمَالِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي صِحَّتِهِ لِيَسْتَقِيمَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ وَقِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةَ أَسْهُمٍ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ ثُمَّ يَجْمَعُ سِهَامَ الْعِتْقِ وَهِيَ سَهْمَانِ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ فَتَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَدْ ضَاقَ ثُلُثُ الْمَالِ وَهُوَ سِتَّةٌ عَنْهُ فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>