للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّا نَحْتَاجُ فِي الْعَمَلِ بِالتَّعْرِيفِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْقَذْفَ بِنَفْسِهِ كَبِيرَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ حِسْبَةً فِي إقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا فَكَيْفَ يَكُونُ كَبِيرَةً مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْعِفَّةَ أَصْلٌ فَنَعَمْ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ صَلُحَ لِذَلِكَ لَمَا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ أَبَدًا لَكِنْ الْإِطْلَاقُ لَمَّا كَانَ بِشَرْطِ الْحِسْبَةِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِشُهُودِ حُضُورٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَوْ إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ ثُمَّ لَمْ يُؤَخَّرُ حُكْمٌ قَدْ ظَهَرَ لِمَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ

ــ

[كشف الأسرار]

أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً بِنَفْسِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا أَصْلًا لِأَنَّهُ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِخْفَاءُ فَإِذَا احْتَمَلَ الْقَذْفُ أَنْ يَكُونَ حِسْبَةً قَبْلَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ يَصِيرُ الْقَذْفُ جِنَايَةً مُقْتَصِرَةً عَلَى الْحَالِ لَا أَنَّهُ ظَهَرَ كَوْنُهُ جِنَايَةً مِنْ الْأَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قُذِفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَعَجَزَ عَنْ إقَامَتِهِمَا لِمَوْتِهِمْ أَوْ لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْأَدَاءِ فَيَصِيرُ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ لَكِنْ بِسَبَبِ الْفِسْقِ لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ حَتَّى إذَا تَابَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُسْقِطُ شَهَادَتُهُ حَدًّا قَبْلَ الْجَلْدِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِإِبْطَالِ شَهَادَتِهِ تَتْمِيمًا لِلْحَدِّ وَالْبُطْلَانُ حُكْمُ الْإِبْطَالِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ الْعِفَّةُ أَصْلٌ فَنَعَمْ أَيْ نَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِفَّةَ أَصْلٌ وَلَكِنَّهُ أَيْ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاذِفِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَصْلُحُ دَافِعًا لَا مُثْبِتًا فَيَصْلُحُ هَذَا الْأَصْلُ لِدَفْعِ الزِّنَا عَنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ زِنَاهُ بِقَذْفِهِ وَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاذِفِ وَلَوْ صَلَحَ هَذَا الْأَصْلُ عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاذِفِ لَمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْقَاذِفِ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ كَمَا اسْتَحَقَّ عَلَى الْقَاذِفِ بِهَذَا الْأَصْلِ رَدَّ شَهَادَتِهِ اسْتَحَقَّ بِهِ عَلَى الشُّهُودِ رَدَّ شَهَادَتِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَذَفَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِذًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ زِنًا بِالْبَيِّنَةِ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ قَوْلُهُ (لَكِنْ الْإِطْلَاقُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ كَبِيرَةً بَلْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالُ الْحِسْبَةِ قَائِمًا حَتَّى قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ حِسْبَةً كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ أَصْلًا فَقَالَ نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَيْ تَجْوِيزَ الْقَذْفِ وَالْإِقْدَامَ عَلَى دَعْوَى الزِّنَا لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَنْ ضَغِينَةٍ لَا تَحِلُّ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَذَلِكَ أَيْ الْقَذْفُ حِسْبَةٌ لَا تَحِلُّ إلَّا بِشُهُودٍ حُضُورٍ أَيْ فِي الْبَلَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ شُهُودٌ غُيَّبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْهِلُهُ الْقَاضِي إلَى إحْضَارِهِمْ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ أَيْ تَأْخِيرُ الْقَذْفِ يَعْنِي تَأْخِيرُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ إلَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ أَيْ إلَى زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ الْقَاذِفُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ عَمَلًا بِاحْتِمَالِ الْحِسْبَةِ وَذَلِكَ أَيْ التَّأْخِيرُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الشُّهُودِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

أَوْ إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَهُوَ الْمَجْلِسُ الثَّانِي فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً أُجِّلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي لِيُحْضِرَ شُهُودَهُ لِأَنَّ الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ بِشَرْطِ الْعَجْزِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِمْهَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى دَفْعًا أَوْ طَعْنًا فِي الشُّهُودِ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي لِيَأْتِيَ بِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سَبَبَ وُجُودِ الْحَدِّ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِقَامَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمَقْذُوفِ بِتَأْخِيرِ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَلَكِنْ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَكُونُ تَأْخِيرًا فَلَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يُمْهِلَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَ عَنْهُ ثُمَّ لَمْ يُؤَخَّرْ حُكْمٌ قَدْ ظَهَرَ أَيْ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْإِمْهَالِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَوْ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي تَأْخِيرُ حُكْمٍ قَدْ ظَهَرَ وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْعَجْزُ لَا يَتَحَقَّقُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدُ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>