للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُطْلَقُ سَاكِتٌ وَالْمُقَيَّدُ نَاطِقٌ فَكَانَ أَوْلَى كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ»

ــ

[كشف الأسرار]

الرَّجُلِ وَأَنْتَ وَذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ مَاهِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ وَكُلَّ أَمْرٍ لَا يَكُونُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عَيْنَ الْمَفْهُومِ مِنْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ كَانَ مُغَايِرًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا لَهَا أَوْ مُفَارِقًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ فَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا الْإِنْسَانَ وَاحِدًا أَوْ لَا وَاحِدًا فَهُمَا قَيْدَانِ مُغَايِرَانِ لِكَوْنِهِ إنْسَانًا وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَوْنِهِ إنْسَانًا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا هِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قُيُودِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُطْلَقُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ الْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ سَهْوٌ لِأَنَّ الْوَحْدَةَ وَعَدَمَ التَّعَيُّنِ قَيْدَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ.

ثُمَّ وُرُودُ الْمُطْلَقِ مَعَ الْمُقَيَّدِ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ وُرُودُهُمَا فِي سَبَبِ حُكْمٍ فِي حَادِثَةٍ أَوْ شَرْطِهِ مِثْلُ نَصِّي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي أَوْ فِي حُكْمِ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ إثْبَاتًا كَمَا لَوْ قِيلَ فِي الظِّهَارِ أَعْتَقَ رَقَبَةً ثُمَّ قِيلَ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَوْ نَفْيًا كَمَا لَوْ قِيلَ لَا تَعْتِقْ مُدَبَّرًا لَا تَعْتِقْ مُدَبَّرًا كَافِرًا وَفِي حُكْمَيْنِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلُ تَقَيُّدِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَإِطْلَاقُ إطْعَامِهِ عَنْ ذَلِكَ. أَوْ فِي حُكْمَيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ كَتَقْيِيدِ الصِّيَامِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِطْلَاقِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَوْ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَتَيْنِ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَتَقْيِيدِهَا بِالْأَيْمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ وَاتَّفَقَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْحَمْلَ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ فَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْحَمْلُ وَاجِبٌ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قِيَاسٍ وَنَحْوِهِ وَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا لَا حَمْلَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ عَلَى أَنْ لَا يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيهِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْحَمْلُ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمُوجِبِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِيَاسٍ وَدَلِيلٍ وَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي سَبَقَ إلَى الْفَهْمِ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] وَقَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِقِيَاسٍ مُسْتَجْمِعٍ لِشَرَائِطِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ.

هَذَا حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اسْتِبْعَادِ الشَّيْخِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ مَا إذَا كَانَ الْقَيْدُ وَالْإِطْلَاقُ فِي السَّبَبِ أَوْ الشَّرْطِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا دُونَ الْحُكْمِ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِيهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الْحَمْلَ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْقَيْدُ وَالْإِطْلَاقُ فِي السَّبَبِ وَالشَّرْطِ أَوْ فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ الْحَادِثَةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً كَانَ الْإِطْلَاقُ وَالْقَيْدُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُونَا فِي حُكْمَيْنِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا لِلتَّنَافِي فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا وَيُبْنَى الْآخَرُ عَلَيْهِ وَالْمُطْلَقُ سَاكِتٌ عَنْ الْقَيْدِ أَيْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفِيهِ وَالْمُقَيَّدُ نَاطِقٌ بِهِ أَيْ يُوجِبُ الْجَوَازَ عِنْدَ وُجُودِهِ وَيَنْفِيهِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>