للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمَا قِيلَ فِي نُصُوصِ الْعَدَالَةِ وَإِذَا كَانَا فِي حَادِثَتَيْنِ مِثْلَ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ قَيْدَ الْإِيمَانِ زِيَادَةُ وَصْفٍ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَيُوجِبُ النَّفْيَ عِنْدَ عَدَمِهِ فِي الْمَنْصُوصِ وَفِي نَظِيرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الصَّوْمِ فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالطَّعَامُ فِي الْيَمِينِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ إعْدَادُ الرَّكَعَاتِ وَوَظَائِفُ الطِّهَارَاتِ وَأَرْكَانُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ ثَابِتٌ بِاسْمِ الْعِلْمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ إلَّا الْوُجُودَ

ــ

[كشف الأسرار]

يُجْعَلَ أَصْلًا وَيُبْنَى الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ مُحْتَمَلٌ وَالْمُقَيَّدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْكَمِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُقَيَّدُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لَا نَسْخًا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ مُقَيَّدًا بِهِمَا كَمَا قِيلَ فِي نُصُوصِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ عَنْ السَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِصِفَةِ السَّوْمِ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» .

وَكَمَا قِيلَ فِي نُصُوصِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ النُّصُوصَ الْمُطْلَقَةَ عَنْ صِفَةِ الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» مَحْمُولَةٌ عَلَى النُّصُوصِ الْمُقَيَّدَةِ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَحَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِذَا كَانَا أَيْ الْإِطْلَاقُ وَالْقَيْدُ فِي حَادِثَتَيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ فِيهَا مُقَيَّدَةٌ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ فِيهَا مُطْلَقَةٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا أَيْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِيهَا عَلَى الْمُقَيَّدِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِيَاسٍ صَحِيحٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَبِدُونِهِ عِنْدَ آخَرِينَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الْحَمْلَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قِيَاسٍ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَتْرُكُونَ التَّقْيِيدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] أَيْ وَالْحَافِظَاتِهَا وَالذَّاكِرَاتِهِ كَثِيرًا وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ

أَيْ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا رَاضُونَ وَبِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ فِي وُجُوبِ بِنَاءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَزِمَ فِي الظِّهَارِ كَانَ الْقَيْدُ مُتَّصِلًا بِهِ أَيْضًا وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ عَنْهُ مَانِعٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ إلَى التَّقْيِيدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَدَلِيلٍ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالتَّشَهِّي كَمَا لَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا الْإِطْلَاقَ وَفِي الْآخَرِ التَّقْيِيدَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْقُرْآنُ كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ فِي أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا اخْتِلَافَ فَأَمَّا فِي دَلَالَةِ عِبَارَاتِهِ عَلَى الْمَعْنَى فَلَا لِأَنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ وَدَلَالَاتُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَلَالَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ دَلَالَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَثُبُوتُ الْقَيْدِ فِي الْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرَاتِ وَالشِّعْرِ لِلْعَطْفِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الْحَمْلَ بِالْقِيَاسِ فَبَنَى كَلَامَهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَإِنَّهُ يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَمَا يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَلَمَّا كَانَ النَّفْيُ حُكْمَ النَّصِّ الْمُقَيَّدِ كَالْإِثْبَاتِ يَتَعَدَّى إلَى نَظِيرِهِ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ كَمَا إذَا كَانَ النَّفْيُ مَنْصُوصًا وَكَمَا يَتَعَدَّى الْإِثْبَاتُ وَالرَّقَبَةُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُقَيَّدَةٌ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ فَأَوْجَبَ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَتَعَدَّى هَذَا الْحُكْمُ إلَى نَظَائِرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَمَا تَعَدَّى تَقْيِيدُ الْأَيْدِي بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ إلَى نَظِيرِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَهَارَةٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا تَعْدِيَةٌ إلَى مَا فِيهِ نَصٌّ بِالْإِبْطَالِ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُطْلَقَ سَاكِتٌ عَنْ الْقَيْدِ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>