وَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ مُطْلَقٌ عَلَى مُقَيَّدٍ أَبَدًا
ــ
[كشف الأسرار]
لَهُ بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَصَارَ الْمَحَلُّ فِي حَقِّ الْوَصْفِ خَالِيًا عَنْ النَّصِّ فَيَجُوزُ تَعْدِيَةُ حُكْمِ الْوَصْفِ إلَيْهِ بِالْقِيَاسِ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ حَمْلُ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ نَاطِقٌ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ وَبِدُونِهِ إبْطَالُ الْقَيْدِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ.
ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الصَّوْمِ فِي الْقَتْلِ يَعْنِي صَوْمُ الْقَتْلِ زَائِدٌ عَلَى صَوْمِ الْيَمِينِ ثُمَّ لَمْ يُثْبِتْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي صَوْمِ الْيَمِينِ حَمْلًا لِهَذَا الصَّوْمِ الْمُطْلَقِ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الصَّوْمِ الْمُقَيَّدِ بِهَا بِالْقِيَاسِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْحَانِثِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ.
وَكَذَا الطَّعَامُ الثَّابِتُ فِي الْيَمِينِ لَمْ يَثْبُت فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ حَمْلًا لَهَا عَلَى الْيَمِينِ بِالْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَخَصَّ الشَّيْخُ طَعَامَ الْيَمِينِ لِأَنَّ طَعَامَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ فِي الْقَتْلِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ يُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الظِّهَارِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ وَالْمُطْلَقَ فِي حَادِثَتَيْنِ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَكَذَلِكَ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ يَعْنِي لَمْ نُثْبِتْ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهَا بِالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ صَلَاةُ وَظَائِفِ الطِّهَارَاتِ يَعْنِي وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَوَظِيفَةُ الْغُسْلِ تَطْهِيرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ ثُمَّ لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْغُسْلِ فِي الْوُضُوءِ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ طَهَارَةٌ حَتَّى لَمْ يَجِبْ غُسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْحَدَثِ.
وَكَذَا لَمْ يَثْبُتْ الزِّيَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْوُضُوءِ وَهِيَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي التَّيَمُّمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْوُضُوءِ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَأَرْكَانُهَا يَعْنِي الْوُضُوءَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ وَالْغُسْلُ زَائِدٌ عَلَى الْمَسْحِ لِأَنَّهُ إسَالَةٌ وَالْمَسْحُ إصَابَةٌ ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَبِالْمَسْحِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ غَسْلُ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ نَظَرًا إلَى الرُّكْنِيَّةِ فِي الْوُضُوءِ.
وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْحُدُودِ فَإِنْ جَلْدَ الْمِائَةِ الثَّابِتِ فِي الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْقَذْفِ بِطَرِيقِ الْحَمْلِ وَكَاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ فِي شُهُودِ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ بِطَرِيقِ الْحَمْلِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ ثَابِتٌ بِاسْمِ الْعَلَمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ إلَّا الْوُجُودَ يَعْنِي التَّفَاوُتَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثَابِتٌ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ وَهُوَ اسْمُ الشَّهْرَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاسْمُ الرَّكْعَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ وَاسْمُ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ وَالتَّنْصِيصُ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَدَمُ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْدِيَةَ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ قَوْلُهُ (وَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَبَدًا) يَعْنِي لَا فِي حَادِثَتَيْنِ وَلَا فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ نَفْيُ الْحَمْلِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْقَيْدُ وَالْإِطْلَاقُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَنَا فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ فِي الْحَادِثَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ.
وَذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّك لَا تَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ قُلْنَا: نَعَمْ إذَا كَانَا غَيْرَيْنِ حُكْمَيْنِ أَوْ شَرْطَيْنِ أَوْ عِلَّتَيْنِ فَأَمَّا الْوَاحِدُ إذَا ثَبَتَ بِوَصْفٍ فَدُونَهُ لَا يَكُونُ ثَابِتًا لَا مَحَالَةَ ضَرُورَةً وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّوْمِ إنَّمَا لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute