لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١] فَنَبَّهَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْإِطْلَاقِ وَاجِبٌ
ــ
[كشف الأسرار]
عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ الْقَيْدُ وَالْإِطْلَاقُ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ فِي نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ حُكْمِ السَّبَبِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ فِيهَا مُقَيَّدَيْنِ بِالْقَبْلِيَّةِ عَلَى الْمَسِيسِ وَالْإِطْعَامِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَأَمَّا إذَا وَرَدَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ حُكْمِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا فِي حَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: صُمْ شَهْرَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُمَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهَاهُنَا الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ كَفَّارَةً وَبَيْنَ التَّتَابُعِ وَالتَّفَرُّقِ مُنَافَاةٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ صِفَةِ التَّتَابُعِ أَنْ لَا يَبْقَى مُطْلَقًا
١ -
وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ وَاخْتَلَفَ عِنْدَنَا يَعْنِي فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلٍ إذَا كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةً فَأَمَّا فِي حَادِثَتَيْنِ فَلَا يُحْمَلُ وَقَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَادِثَةُ وَاحِدَةً أَوْ لَا إلَّا إذَا كَانَ حُكْمًا وَاحِدًا وَالسَّبَبُ وَاحِدًا وَذُكِرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: ٩٢] أَنَّ الْحَادِثَةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً وَوَرَدَ فِيهَا نَصَّانِ مُقَيَّدٌ وَمُطْلَقٌ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ التَّارِيخُ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَتَى أَوْجَبَ الْحُكْمَ بِوَصْفٍ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُقَيَّدُ وَأَمَّا إذَا كَانَا مِنْ بَابِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَكِنْ يُعْمَلُ بِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي وَرَأَيْت فِي التَّلْخِيصِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ ثُمَّ وَرَدَ بِعَيْنِهِ مُقَيَّدًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِتَقْيِيدِهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ زِيَادَةٌ لَا يُفِيدُهَا الْإِطْلَاقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: ٤٣] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] وقَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] .
وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْمُسْتَصْفَى وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ حَادِثَةً وَاحِدَةً وَاجِبٌ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَبَدًا مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: ١٠١] الْآيَةُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وَالْمَعْطُوفَةُ عَلَيْهَا وَهُمَا قَوْلُهُ {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: ١٠١] صِفَةٌ لِأَشْيَاءَ.
وَالْمَعْنَى لَا تُكْثِرُوا مَسْأَلَةَ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ تَكَالِيفَ شَاقَّةٍ عَلَيْكُمْ إنْ أَفْتَاكُمْ بِهَا وَكَلَّفَهَا إيَّاكُمْ تَغُمَّكُمْ وَتَشُقُّ عَلَيْكُمْ فَتَنْدَمُوا عَنْ السُّؤَالِ عَنْهَا وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ التَّكَالِيفِ الصَّعْبَةِ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَهُوَ مَا دَامَ الرَّسُولُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يُوحَى إلَيْهِ تُبْدَ لَكُمْ تِلْكَ التَّكَالِيفُ الَّتِي تَسُؤْكُمْ وَتُؤْمَرُوا بِتَحَمُّلِهَا فَتُعَرِّضُونَ أَنْفُسَكُمْ لِغَضَبِ اللَّهِ بِالتَّفْرِيطِ فِيهَا وَقَالَ إمَامُ الْهُدَى: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَهْيًا عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ إلَيْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبَانَةِ وَالِاسْتِيضَاحِ فَنُهُوا عَنْهُ حَتَّى تَمَسَّ الْحَاجَةُ إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ فَقَدْ أُطْلِقَ لَهُمْ السُّؤَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute