فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَمَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الثُّلُثِ مَنْصُوصَةٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا نَصٌّ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ الْعَتَاقُ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي التَّعْلِيقِ بِالنِّكَاحِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ابْتِدَاءً بِدُونِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْمَرْأَةِ لَأَنْ يَبْقَى بِدُونِ ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى وَأَجَابَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ فَقَالَ: صِحَّةُ الْيَمِينِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى حِلٍّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ الْمُحَلَّلَةِ وَذَلِكَ لَمْ يَفُتْ بَلْ هُوَ بِعَرَضِ الْوُجُودِ فَصَحَّتْ الْيَمِينُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَصِحَّةُ الْيَمِينِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِلِّ الْقَائِمِ فِي الْحَالِّ وَقَدْ بَطَلَ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَمَّا لَمْ تُوجِدْ تَعْيِينَ الْحِلِّ الْقَائِمِ لِلْحَالِّ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِّ وَلَكِنَّهُ بِعَرَضِ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَعَرَضِيَّةُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فِي الْحَالِّ فَإِذَا بَطَلَ الْحِلُّ بَطَلَتْ الْعَرَضِيَّةُ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا شُبْهَةَ ثُبُوتِ الْجَزَاءِ فِي الْحَالِّ تَأْكِيدًا لِكَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا وَذَلِكَ لِأَنَّ ضَمَانَ الْبِرِّ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَّا كَانَ بِالِاسْتِصْحَابِ لَا بِالتَّيَقُّنِ احْتَاجَ إلَى تَأْكِيدٍ لِيَلْتَحِقَ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْحَالِّ وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّأْكِيدِ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْجَزَاءِ حَالَةَ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بِمَا هُوَ عِلَّةُ مِلْكِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ مَوْجُودًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا مَحَالَةَ فَيَصِيرُ قَدْرُ مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ مُسْتَحَقًّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْلِيقِ أَيْ سَاقِطًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ أَيْ بِمُعَارَضَةِ كَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ يَقِينًا لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بِمَا لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَأَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ وَالْمِلْكُ فِي الْحَالِّ مَوْجُودَيْنِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِعِلَّةِ مِلْكِ الطَّلَاقِ يَحْصُلُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ الْمَنْعُ لِكَوْنِ الْبِرِّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ لَا مَحَالَةَ فَصَارَ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ عِلَّةِ مِلْكِ الطَّلَاقِ حَالَ قِيَامِ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ يَكُونُ الْبِرُّ مَضْمُونًا ظَاهِرًا غَالِبًا وَكَوْنُ الْبِرِّ مَضْمُونًا هَاهُنَا جَزْمِيٌّ فَكَانَ أَحَقَّ بِالصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي التَّنَازُعِ فِيهِ وَهُوَ شُبْهَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ يَلْزَمُ سُقُوطُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالشُّبْهَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَحَقِيقَةُ التَّطْلِيقِ بِهِ مُمْكِنُ وَعَدِمَتْ الْحَقِيقَةُ بِالدَّلِيلِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ فَتَسْقُطُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ يَعْنِي تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ يُوجِبُ سُقُوطَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ أَنَّ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ شَبَهًا بِالْإِيجَابِ فَصَارَ هَذَا مُعَارِضًا لِلشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الشَّرْطِ فَتَسْقُطُ وَقَوْلُهُ فَيَصِيرُ قَدْر مَا ادَّعَيْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ مُسْتَحَقًّا بِهِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْبِرَّ مَضْمُونٌ جَزْمًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ سَابِقَةً عَلَى الشَّرْطِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالظِّهَارِ أَوْ بِالْإِيلَاءِ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ يُنْجِزُ الظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ فَأَجَابَ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ عَمَلِ الظِّهَارِ الرَّجُلُ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ مَنْعُهُ عَنْ الْوَطْءِ وَالْمَحَلُّ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ مَحَلُّ نُزُولِ حُكْمِ الظِّهَارِ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدٍ نَزَلَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يُعْقَدُ لِإِبْطَالِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ حَتَّى إذَا فَاتَ الْمَحَلُّ لَا يَبْقَى الظِّهَارُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي مَنْعِ الزَّوْجِ عَنْ الْوَطْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute