للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالنُّصُوصِ الْمُحْتَمَلَةِ بِصِيغَتِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَصَارَ الْكِتَابُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ يُضَافُ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَالِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ صُيِّرَ إلَى الْحَالِ، وَثَبَتَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْيَقِينِ.

ــ

[كشف الأسرار]

بِالْجَهْلِ؛ فَإِنَّهُمْ يَتَمَسَّكُونَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَمَآلُهُ إلَى الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ الْمَحْضَةِ بِمَنْزِلَةِ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ لِمَعْنًى فِي الدَّلِيلِ فَقَالَ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي النُّصُوصِ وَإِنْ صَارَ بِهَذَا الطَّرِيقِ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ فِيهِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مَعْنًى عَيَّنَهُ الْقَائِسُ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ احْتِمَالَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ، لَكِنَّ وَضْعَ الْأَسْبَابِ أَيْ شَرْعَهَا لِأَجْلِ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ضَرْبُ شُبْهَةٍ جَائِزٌ كَالنُّصُوصِ الْمُحْتَمَلَةِ بِصِيَغِهَا مِثْلُ الْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ مِنْ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ السُّنَّةِ، وَصَارَ الْكِتَابُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ بِاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ لُغَةً فَكَانَ بَيَانًا بِمَعْنَاهُ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى جَلِيٌّ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ كَحُرْمَةِ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ بِمَعْنَى الْأَذَى الْمَوْجُودِ فِي التَّأْفِيفِ وَخَفْيٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِزِيَادَةِ تَأَمُّلٍ كَتَعَلُّقِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِوَصْفَيْ النَّجَاسَةِ وَالْخُرُوجِ فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَإِذَا كَانَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الظَّاهِرِ إثْبَاتًا لَهُ بِالْكِتَابِ كَانَ إثْبَاتُهُ بِالْمَعْنَى الْخَفِيِّ كَذَلِكَ أَيْضًا فَيَكُونُ الْكِتَابُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ بِظَاهِرِهِ وَمَعْنَاهُ.

، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكِتَابِ الْمُبِينِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فِي عَامَّةِ الْأَقَاوِيلِ لَا الْقُرْآنُ وَكَانَ أَوْلَى أَيْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَالِ لِمَا قُلْنَا، وَثَبَتَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْعَمَلُ بِالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا عُدِمَ النَّصُّ عِنْدَهُمْ أَوْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَنَا عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْيَقِينِ.

وَقَوْلُهُمْ: لَا يُطَاعُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعُقُولِ وَالْآرَاءِ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِابْتِدَاءِ لَا فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ طَاعَةٌ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ، وَهُوَ حَدِيثُ أَوْلَادِ السَّبَايَا فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقِيَاسُ الْمَهْجُورُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ فِي نَصْبِ الشَّرَائِعِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ فَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ لَا الْقِيَاسُ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ فَإِنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ إظْهَارُ مَا قَدْ كَانَ وَرَدُّ مَشْرُوعٍ إلَى نَظَائِرِهِ.

وَكَذَا الْمُرَادُ مِنْ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فِي سَائِرِ مَا رَوَوْا مِنْ الْأَخْبَارِ الرَّأْيُ الْمُقْتَرَحُ الْمَذْمُومُ الَّذِي هُوَ مَدْرَجَةٌ إلَى الضَّلَالِ أَوْ الرَّأْيُ الَّذِي يَكُونُ الْمَقْصُود مِنْهُ رَدَّ الْمَنْصُوصِ نَحْوُ مَا فَعَلَهُ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ لَا الرَّأْيُ الَّذِي قُصِدَ بِهِ إظْهَارُ الْحَقِّ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي إظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَالصَّحَابَةُ عَنْ آخِرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدِهِمْ عَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَهُ كَمَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يُظَنُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَا ذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ جَعَلَهُ مَدْرَجَةً إلَى الضَّلَالِ هَذَا شَيْءٌ لَا يَظُنُّهُ إلَّا ضَالٌّ.

كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قَالَ النَّظَّامُ: إنَّ الْقِيَاسَ عَلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ.

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ. قُلْنَا: أَمَّا الْفَرْقُ فَلِافْتِرَاقِهَا فِي الْمَعَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْأَحْكَامُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>