ثُمَّ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُوحًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَهُمْ الْأُصُولُ هُنَا وَأَدْنَى ذَلِكَ أَصْلَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَرَاءَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ بِالِاحْتِمَالِ لَا يَرِدُ وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّا احْتَجْنَا إلَى إثْبَاتِ مَا لَا يَحْسُنُ وَلَا يُعَايَنُ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْحُكْمِ فِي النَّصِّ، وَمَا لَا يَحْسُنُ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِأَثَرِهِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَتَعَرَّفُ صِدْقَ الشَّهَادَةِ بِاحْتِرَازِهِ عَنْ مَحْظُورِ دِينِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
كَالشَّاهِدِ إذَا كَانَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا وَقَدْ أَتَى بِلَفْظِ أَشْهَدُ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَانَ صَالِحًا لَأَنْ يُعْمَلَ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ قَدْ يَحْتَمِلُ أَيْ الْوَصْفُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُوحًا بِأَنْ يَكُونَ مُنْتَقَضًا كَالشَّاهِدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُوحًا بِالْفِسْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَرْضِ أَيْ عَرْضِ الْوَصْفِ عَلَى الْمُزَكِّينَ، وَهُوَ الْأُصُولُ هَاهُنَا دَفْعًا لِلِاحْتِمَالِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الشَّاهِدِ عَلَى الْمُزَكِّينَ هُنَاكَ لِذَلِكَ فَإِذَا سَلِمَ عَنْ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَاتِ ثَبَتَ عَدَالَتُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحْكَامِهِ كَمَا كَانَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ، وَامْتِنَاعُ الْأُصُولِ مِنْ رَدِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ وَسُكُوتِهِ عَنْ الرَّدِّ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَصْلَانِ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ أَوْجَبَ الْعَرْضَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالْعَرْضِ عَلَى جَمِيعِ فَرْدِ ذَلِكَ وَقَالَ أَدْنَى ذَلِكَ أَيْ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الْعَرْضُ عَلَيْهِ أَصْلَانِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ وَرَاءُ ذَلِكَ أَيْ وَرَاءُ الْأَصْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ بِالِاحْتِمَالِ لَا تَرُدُّ يَعْنِي الْعَرْضَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْكِيَةِ، وَالتَّزْكِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا مُحْتَمَلًا لِكَوْنِهَا إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا يُوجِبُ الْجَرْحَ لَا عَنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ وَرُبَّمَا وَقَفَ غَيْرُ الْمُزَكِّي عَلَى بَعْضِ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْمُزَكِّي كَاذِبًا فِي التَّعْدِيلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْعَرْضُ عَلَى جَمِيعِ الْمُزَكِّينَ قَطْعًا لِلِاحْتِمَالِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ فِي الْوُجُوبِ إلَى جَمِيعِ الْمُزَكِّينَ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ جَرْحًا بَيِّنًا وَقَدْ أَسْقَطَ الشَّرْعُ ذَلِكَ عَنَّا بِقَوْلِهِ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] فَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْعَرْضُ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ مُتَعَذَّرٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى، وَهُوَ أَصْلَانِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ شَرَطَ الْعَرْضَ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ لَمْ يَجِد بُدًّا مِنْ الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَقْصَى فِي الْعَرْضِ فَالْخَصْمُ يَقُولُ: وَرَاءَ هَذَا أَصْلٌ آخَرُ هُوَ مُعَارِضٌ، أَوْ نَاقِضٌ لِمَا تَدَّعِيهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلُ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ قَوْلُهُ (وَجَدَ قَوْلُنَا) ، وَهُوَ أَنَّ عَدَالَةَ الْوَصْفِ تَثْبُتُ بِالتَّأْثِيرِ إذْ حَاجَتُنَا إلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْوَصْفِ الَّذِي لَا يُحَسُّ وَلَا يُعَايَنُ حُجَّةً، وَتَرْجِيحُ احْتِمَالِ الصَّوَابِ عَلَى احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ فَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِأَثَرِهِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّا تَعَرَّفْنَا أَيْ طَلَبْنَا مَعْرِفَةَ صِدْقِ الشَّاهِدِ بِاحْتِرَازِهِ عَنْ مَحْظُورِ دِينِهِ فَإِنَّ أَثَرَ دِينِهِ لَمَّا ظَهَرَ فِي مَنْعِهِ عَنْ ارْتِكَابِ سَائِرِ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْعِهِ عَنْ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ مَحْظُورُ دِينِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ مِنْ حَيْثُ يَمِيلُ الطَّبْعُ إلَيْهَا سَوَاءٌ، وَذَلِكَ أَيْ صِدْقُ الشَّاهِدِ مِمَّا يُعْرَفُ وُجُودُهُ بِأَثَرِهِ أَيْ أَثَرِ دِينِهِ كَمَا بَيَّنَّا لَا بِالْحِسِّ فَثَبَتَ أَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ مَا لَا يُحَسُّ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ.
أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ صِدْقَ الشَّاهِدِ مِمَّا يُعْرَفُ وُجُودُهُ بِظُهُورِ أَثَرِ نَفْسِ الصِّدْقِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَنْ احْتَرَزَ عَنْ الْكَذِبِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى احْتِرَازٍ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا كَمَا يُعْرَفُ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالِاحْتِرَازِ عَنْ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ اسْتِدْلَالًا بِظُهُورِ أَثَرٍ عَلَى أَثَرٍ آخَرَ وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الدِّينُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَرِيبًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute