للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الَّذِي لَا يَشْكُلُ فَسَادُهُ فَمِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّ السَّبْعَ أَحَدُ عَدَدَيْ صَوْمِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ شَرْطًا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ كَالثَّلَاثِ يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ أَحَدُ عَدَدَيْ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالْوَاحِدِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ أَوْ الْآيَةَ نَاقِصُ الْعَدَدِ عَنْ السَّبْعِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ كَالْوَاحِدِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ، أَوْ الْآيَةَ نَاقِصُ الْعَدَدِ عَنْ السَّبْعِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ كَمَا دُونَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ فَكَانَ مِنْ أَرْكَانِهَا مَا لَهُ عَدَدُ سَبْعَةٍ كَالْحَجِّ وَكَمَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ فِعْلٌ يُقَامُ فِي أَعْضَائِهِ فَلَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي أَدَائِهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَطْعِ قِصَاصًا أَوْ سَرِقَةً، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ صِلَةٌ لِلْقَرِيبِ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِدْلَال بِجَوَازِ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَمُسَاعِدَةِ الْخَصْمِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا فَكَانَ هَذَا تَعْلِيلًا بِلَا وَصْفٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَانَ بَاطِلًا.

وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ بِأَنَّهُ أَيْ هَذَا الْعَقْدَ عَقْدُ كِتَابَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَكَانَ فَاسِدًا كَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا حَالَّةً كَانَتْ، أَوْ مُؤَجَّلَةً فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِيَصِحَّ لَهُ الِاسْتِدْلَال بِجَوَازِ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَلَى فَسَادِ الْكِتَابَةِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ وَإِلْزَامِ الْخَصْمِ كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فَاسِدًا وَذُكِرَ وَجْهٌ آخَرُ فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ بِإِعْتَاقِ الْأَخِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ التَّكْفِيرِ بِإِعْتَاقِ الْأَخِ عِنْدَنَا لَيْسَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْأَجْنَبِيِّ إذْ الْأَخُ لَا يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقٍ مُقَارِنٍ لِلْمِلْكِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّكْفِيرِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِعْتَاقِ الْقَصْدِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ هَذَا وَصْفًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يَشْكُلُ فَسَادُهُ، أَوْ لَا يَشُكُّ فِي فَسَادِهِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبْعَ) إلَى آخَرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ: مَائِعٌ لَا يُبْنَى عَلَى جِنْسِهِ الْقَنْطَرَةُ وَلَا يُصْطَادُ فِيهِ السَّمَكُ فَأَشْبَهَ الدُّهْنَ وَالْمَرَقَ وَمِثْلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْقَهْقَهَةِ اصْطِكَاكُ أَجْرَامٌ عُلْوِيَّةٌ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ الطَّهَارَةُ كَالرَّعْدِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ: إنَّهُ مَسُّ آلَةِ الْحَرْثِ فَأَشْبَهَ مَسَّ الْفَدَّانِ، وَقَالَ طَوِيلٌ مَشْقُوقٌ فَمَسُّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَمَسِّ الْقَلَمِ.

وَفِي قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبْعَ كَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ هَذَا الْعَدَدِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ حَتَّى قَالُوا: قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ رُكْنٌ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِلْإِمَامِ وَلِلْقَوْمِ وَعَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَقْرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ سَبَّحَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ كَذَا فِي الْمَخْضِ، وَهَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيلِ مِمَّا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَطَانَةٍ فَإِنَّهُ لَا مُشَابَهَةَ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءٍ فِي الطَّهَارَةِ وَالْقَطْعِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ السَّرِقَةِ وَلَا بَيْنَ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَا بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا الْبَوَاقِي فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنًى مُؤَثِّرٌ وَلَمْ يُنْقَلُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَنْ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مُمْكِنٌ بَعِيدًا عَنْ طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِأَمْثَالِهِ هَزْلُ لَعِبٍ بِالدِّينِ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا النَّوْعِ: سَائِرُ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ الطَّرْدِيَّةِ الْفَاسِدَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِأَمْثَالِ هَذَا تَضْيِيعُ الْوَقْتِ الْعَزِيزِ وَإِهْمَالُ الْعُمُرِ النَّفِيسِ، وَمِثْلُ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَصِمَ الْعِبَادِ وَالْأَحْكَامِ وَلَا مَنَاطَ شَرَائِعِ هَذَا الدِّينِ الرَّفِيعِ بَلْ هِيَ صَدٌّ لِلْمُبْتَدِئِينَ عَنْ سَبِيلِ الرُّشْدِ وَمَسَالِكِ الْحَقِّ وَقَدْ كَانَتْ هَذَا الْأَنْوَاعُ مَسْلُوكًا طَرِيقَهَا مِنْ قَبْلُ يَجْرِي النُّظَّارُ عَلَى سُنَّتِهَا وَيُنَاطِحُونَ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ زَمَانَنَا هَذَا قَدْ غَلَبَ فِيهِ مَعَانِي الْفِقْهِ قَدْ جَرَى الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى مَسْلَكٍ وَاحِدٍ يَطْلُبُونَ الْفِقْهَ الْمَحْضَ وَالْحَقَّ الصَّرِيحَ وَقَدْ تَنَاهَتْ مَعَانِي الْفِقْهِ إلَى نِهَايَةٍ قَارَبَتْ فِي الْوُضُوحِ الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يُورِدُهَا الْمُتَكَلِّمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>