للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَاخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَمَرْكُوبٌ» وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْلُوبٍ وَلَا مَرْكُوبٍ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لِلرَّاهِنِ، وَنَحْنُ نَقُولُ أَحْكَامُ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ تُقْتَبَسُ مِنْ أَلْفَاظِهَا الدَّالَّةِ عَلَيْهَا فَإِنَّ التَّعْرِيفَ وَقَعَ بِهَذَا الِاسْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَعْنَى الِاسْمِ فِيهِ لِيَكُونَ التَّعْرِيفُ بِهِ صَحِيحًا وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ الْحَبْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مُحْتَبَسَةٌ فَجَعَلْنَا مُوجِبَهُ احْتِبَاسَ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا الِاحْتِبَاسُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا حَقِيقِيًّا اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِاتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ مُطْلَقًا شَرْعًا وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِنَظِيرِهِ مِنْ عَقْدِ الْكَفَالَةِ فَظَاهِرٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ مَذْهَبُنَا فَإِنَّ مُوجِبَهُ صَيْرُورَةُ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مَضْمُونَةً إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ حَتَّى يَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ وَثِيقَةً فَإِنَّ الْوَثِيقَةَ إثْبَاتُ شَيْءٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا ثَبَتَ بِالْحَقِيقَةِ حَتَّى يَزْدَادَ وُثُوقًا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَصْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الثَّابِتُ بِهِ حَقِيقَةً ثُمَّ مَا هُوَ الْفَرْعُ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ جُعِلَ أَصْلًا فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ لِتَكُونَ مُوَصِّلَةً إلَى الْحَقِيقَةِ فَكَذَا الْيَدُ عَلَى الْمَحَلِّ فَرْعُ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَجُعِلَتْ أَصْلًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِبْدَاءِ مَا هُوَ الِاتِّبَاعُ وَالْفُرُوعُ فِي الْأُصُولِ يُجْعَلُ أُصُولًا فِي التَّوَثُّقَاتِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى الْوَثِيقَةِ فِي هَذِهِ الْيَدِ وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ جُعِلَتْ وَثِيقَةً؟ (قُلْنَا) مَعْنَى الْوَثِيقَةِ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ زَائِدٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا كَانَ فَإِذَا احْتَبَسَ عِنْدَهُ حَقِيقَةً يَصِيرُ هَذَا الِاحْتِبَاسُ وَسِيلَةً إلَى النَّقْدِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَاهَدُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ مَتَى صَارَ مَحْبُوسًا عَنْهُ بِدَيْنٍ يَتَسَارَعُ إلَى فِكَاكِهِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ جِنْسِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالدَّيْنُ بِالِاسْتِيفَاءِ يَصِيرُ مُحَصَّنًا فَإِذَا بَقِيَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى مَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ وَازْدَادَتْ يَدٌ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ ازْدَادَ الْأَوَّلُ تَوَثُّقًا بِهِ فَهَذَا تَفْسِيرُ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ فِي حَقِيقَةِ الِاحْتِبَاسِ وَالْيَدِ الثَّابِتَةِ عَلَى الْمَحَلِّ فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ فَلَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ وَلَا يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ وَثِيقَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ حُكْمٌ يَأْتِي بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ.

وَكَذَا تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ يَكُونُ فِي الْعَادَاتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَرْهَنُ الشَّيْءَ لِيُوَفِّيَ الدَّيْنَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ لَا لِيَبِيعَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ إلَّا بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَكَمْ مِنْ رَهْنٍ يَنْفَكُّ عَنْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ مُوجِبِ الْعَقْدِ مَا لَا يَخْلُو الْعَقْدُ عَنْهُ بَعْدَ تَمَامِهِ قَوْلُهُ (وَفِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ) مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ فَعِنْدَنَا هُوَ وَاجِبٌ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الشَّرْعِ بِوُجُوبِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الْبَقَاءِ تَمَحَّضَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَى الْعِوَضِ وَالصِّلَةِ وَقَدْ تَمَحَّضَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا يَجِبُ الْمَهْرُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَأَكَّدَ الْمَهْرُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَمَا لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْمَهْرُ بِالدُّخُولِ وَبِالِاتِّفَاقِ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا حَتَّى لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>