للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْحَالُ وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَكَذَلِكَ صِيغَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَكُونُ حَقًّا لَازِمًا بِهِ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ ائْتَمَرَ، وَلَا وُجُودَ الْمُتَعَدِّي إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لَازِمُهُ كَالْكَسْرِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالِانْكِسَارِ فَقَضِيَّةُ الْأَمْرِ لُغَةً أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِالِامْتِثَالِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ بِالْأَمْرِ نَفْسِهِ لَسَقَطَ الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَأْمُورِ أَصْلًا

ــ

[كشف الأسرار]

كَأَنَّهُ تَحَقَّقَ وَمَضَى، وَكَذَلِكَ الْحَالُ أَيْ كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْمُضِيِّ لِلْمَاضِي لَازِمٌ، فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْحَالِ لِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لَازِمٌ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ الْحَالُ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ النُّحَاةِ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَكَذَلِكَ صِيغَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهِ حَقًّا لَازِمًا بِالْأَمْرِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لِيُفِيدَ الْأَمْرُ فَائِدَتَهُ.

، وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ حَقًّا لَازِمًا، أَوْ هُوَ تَوْضِيحٌ لِمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ؛؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ هُوَ الْوُجُودُ إلَّا قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ} [النور: ٦٣] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوجِبَهُ الْوُجُوبُ فَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ إلَى آخِرِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ الِائْتِمَارُ أَيْ الِامْتِثَالُ لَازِمًا لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ اللُّغَوِيَّ فَالِائْتِمَارُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يُقَالُ ايِتَمَرَ زَيْدٌ عُمْرًا وَاللَّازِمُ إنَّمَا سُمِّيَ لَازِمًا لِلُزُومِهِ عَلَى الْفَاعِلِ وَعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يَنْتَفِي الْمَلْزُومُ بِانْتِفَائِهِ فالائتمار لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِامْتِثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَفَّارَةِ بِالْإِيمَانِ بِدُونِ الِائْتِمَارِ مِنْهُمْ وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ أَمَرْته فَلَمْ يَأْتَمِرْ كَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ أَمَرْته فَائْتَمَرَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ كَسَرْته فَلَمْ يَنْكَسِرْ (قُلْنَا) أَنَّا لَا نُنْكِرُ أَنَّ الِائْتِمَارَ مُتَعَدٍّ فِي ذَاتِهِ وَلَكِنْ مَا هُوَ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ لِلُزُومِهِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ الْوَاحِدِ وَعَدَمُ تَعَدِّيهِ إلَى الْمَفْعُولِ الْآخَرِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَيْ مُطَاوِعًا لِمَا هُوَ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ كَمَا يُقَالُ عَلَّمْته الْقُرْآنَ فَتَعَلَّمَهُ وَأَطْعَمْته الطَّعَامَ فَطَعِمَهُ وَكَسَوْته الثَّوْبَ فَاكْتَسَاهُ وَالْأَمْرُ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْآخَرِ بِالْبَاءِ يُقَالُ أَمَرْت زَيْدًا بِكَذَا فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الِائْتِمَارُ لَازِمًا لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الِائْتِمَارُ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَقِيقِيٍّ لَهُ لِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِدُونِهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

وَهُوَ أَنَّ الِائْتِمَارَ لَازِمُ الْأَمْرِ فِي الْأَصْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حُصُولُ الْفِعْلِ كَمَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكَسْرِ حُصُولُ الِانْكِسَارِ وَلِهَذَا يُقَالُ أَمَرْته فَائْتَمَرَ كَمَا يُقَالُ كَسَرْته فَانْكَسَرَ فَكَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الْكَسْرُ بِدُونِ الِانْكِسَارِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ بِدُونِ الِائْتِمَارِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ الِائْتِمَارَ لَوْ جُعِلَ لَازِمَ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ الِائْتِمَارُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ لَسَقَطَ الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَأْمُورِ أَصْلًا وَصَارَ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ وَفِيهِ نُزُوعٌ إلَى مَذْهَبِ الْجَبْرِ فَلِذَلِكَ نَقَلَ الشَّرْعُ حُكْمَ الْوُجُودِ، وَهُوَ كَوْنُهُ لَازِمًا لِلْأَمْرِ عَنْهُ إلَى الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الْوُجُودِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ فَصَارَ الْوُجُوبُ لَازِمًا لِلْأَمْرِ بَعْدَمَا كَانَ الْوُجُودُ لَازِمًا لَهُ.

وَقَوْلُهُ حَقًّا أَيْ ثَابِتًا حَالٌ عَنْ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ بِالْأَمْرِ مُتَعَلِّقٌ بِحَقًّا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى فَاجْتَمَعَ هَهُنَا مَا يُوجِبُ الْوُجُودَ عَقِيبَ الْأَمْرِ وَمَا يُوجِبُ التَّرَاخِيَ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْأَمْرِ يُوجِبُ الْوُجُودَ عَقِيبَهُ وَاعْتِبَارُ كَوْنِ الْمَأْمُورِ مُخَاطَبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>